حرب التضليل .. الوجه الخفي للعدوان على اليمن
البيضاء نت | تقرير طارق الحمامي
يتعرض اليمنيون منذ سنوات إلى حرب تضليل ممنهجة تُدار كجزء أساسي من الحرب الناعمة، وتهدف إلى تشتيت الوعي، وضرب التماسك الاجتماعي، ومحاولات حثيثة لإشعال صراعات حادة تحت شعارات مذهبية ومناطقية، وعمد العدوان إلى شن حرب التضليل في اليمن كجزء من عدوانه الشامل على اليمن معتمداً على مرتزقة الداخل ، واستخدم فيها أساليب متنوعة في الخطورة، من خلال تكريس موجات التضليل الإعلامي التي بدأت بعد الفشل عسكرياً على وجه التحديد في إنتاج سردية تضليل للمجتمع اليمني بتصوير العدوان على اليمن بأنه صراع داخلي لا عدوان خارجي، في محاولة مكشوفة بضخ الأكاذيب لإرباك الرأي العام ، وتُدار هذه الحرب عبر وسائل إعلام موجهة، ومنصات تواصل اجتماعي وحسابات وهمية، وحملات إلكترونية منظمة تتزامن مع التطورات الميدانية والسياسية
يتميز المجتمع اليمني بتنوعه المذهبي والمناطقي، وهو تنوع شكّل تاريخيًا مصدر قوة وتكامل، غير أن حرب التضليل سعت إلى تحويل هذا التنوع إلى أداة تفكيك، من خلال، تصوير الانتماء المذهبي كسبب للصراع، وتضخيم الخلافات المناطقية وربطها بالولاءات السياسية، وبث خطاب كراهية يزرع الشك والعداء بين أبناء الوطن الواحد، وبذلك جرى تكريس الاختلاف وتحويله إلى حالة استقطاب حاد تخدم أهداف دول العدوان، وتُبعد المجتمع عن إدراك جوهر الصراع الحقيقي.
الإرهاب الحقيقي هو تضليل الأمة
هذا العنوان تحول إلى أحد أهم الشواهد التي ذكرها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، ضمن سلسلة دروس آل عمران حيث قال : ’’ من يعمل في أوساط الطائفة الواحدة إلى أن تتفرق وتختلف وداخلها البينات، البينات التي تجمعها على كلمة واحدة، وتجمعها في صف واحد، وتجعلها جديرة بنصر الله وتأييده، البينات التي هي الهدى من الله في معتقداتها في مواقفها، في فقهها، فتتفرق كلمتها، أليس هذا هو الدمار لهذه الأمة في الدنيا وفي الآخرة؟. هذا هو الإرهاب الحقيقي’’ .
وفي خضم هذه الحرب، يبرز شكلٌ بالغ الخطورة من الإرهاب، لا يعتمد التفجير أو السلاح، بل يستهدف العقل والوعي، وهو إرهاب تضليل الأمة، فهذا النوع من الإرهاب يعمل على مصادرة الوعي الجمعي، وتزييف الحقائق، ودفع الشعوب إلى تبني مواقف تخدم أعداءها وهي تظن أنها تدافع عن نفسها، إن تضليل الأمة يُعد أخطر من الإرهاب التقليدي، لأنه يحوّل الضحية إلى متهم، ويبدّل العدو الحقيقي بعدو وهمي، ويشرعن الجرائم تحت عناوين زائفة لتفكيك المجتمع من الداخل دون ضجيج.
تضليل ممنهج تحت غطاء مكافحة الإرهاب
في الحالة اليمنية، جرى توظيف خطاب مكافحة الإرهاب، كأداة تضليل، لتبرير العدوان وتشويه قوى وطنية، وصرف الأنظار عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، وسعت أدوات العدوان إلى شن حملات إعلامية تهدف إلى التشكيك في موقف من وقف في وجه العدوان وواجه العدو الصهيوني والولايات المتحدة وأرجعها من البحر الأحمر والبحر العربي تجر أذيال الخيبة، وهنا يتحول التضليل إلى فعل إرهابي فكري يمنح الغطاء للعدو لاستمرار العدوان والحصار، والاستمرار في استهداف الوعي كأداة إرهاب ناعم، وتشير الوقائع إلى أن حرب التضليل التي اعتمد عليها العدو خصوصاً بعد فشله العسكري رافقت كل تصعيد عسكري بحملات إعلامية لتبرير هذا العدوان مستخدمةً صوراً ومقاطع مفبركة وكاذبة ضمن حملة منهجية لإثارة الإحتقان وترويج الشائعات لاستهداف الجبهة الداخلية والتماسك الإجتماعي.
أحداث جنوب اليمن .. مسرحية الاحتلال السعودي الإماراتي كأحد أخطر شواهد حرب التضليل
تُعدّ الأحداث المتكررة في جنوب اليمن نموذجًا صارخًا لكيفية توظيف حرب التضليل كأداة مرافقة للاحتلال، بل كبديل عنه في كثير من الأحيان، فالمشهد الجنوبي، بما يشهده من صدامات بين فصائل موالية لدول العدوان، لا يمكن فصله عن إدارة ممنهجة للصراع تهدف إلى إشعال حرب داخلية بين أدوات الاحتلال نفسها، وتقديمها للرأي العام على أنها صراع داخلي أو خلافات جنوبية _ جنوبية، وتعتمد هذه المسرحية على قلب الحقائق، عبر إخفاء الدور السعودي الإماراتي الحقيقي في إدارة وتمويل وتسليح الفصائل، وتصوير الاحتلال كوسيط أو داعم للاستقرار، وتحميل الفصائل الجنوبية مسؤولية الفوضى والاقتتال، وتغييب حقيقة أن قرار الحرب والسلم بيدها وحدها، وبذلك تتحول الجريمة من احتلال مباشر إلى صراع داخلي مُفتعل، وهي إحدى أخطر نتائج التضليل، لأنها تُسقط المسؤولية عن الفاعل الحقيقي.
اشعال حرب بين المرتزقة كأداة لإدامة السيطرة
إن دفع الفصائل الموالية للاحتلال إلى الاقتتال فيما بينها سياسة محسوبة تهدف إلى استنزاف الجميع، وإبقاء الجنوب في حالة فوضى دائمة، وتبرير وجودها العسكري تحت ذريعة منع الانفجار، كما رافقت أحداث الجنوب حملات إعلامية مكثفة عملت على تأجيج الانقسام المناطقي، وبث خطاب كراهية متبادل، وشيطنة أي دعوة للسيادة أو الخروج من الوصاية، هذا الخطاب لا يستهدف فقط أبناء الجنوب، بل يسعى إلى تضليل الوعي اليمني العام وفصل قضية الجنوب عن سياق العدوان الشامل على اليمن.
قراءة في ضوء تحذيرات السيد القائد
تنسجم أحداث الجنوب بشكل واضح مع تحذيرات السيد القائد من خطر تضليل الأمة، حيث أكد أن العدو يسعى إلى إشعال صراعات داخلية، وتفكيك المجتمع من الداخل، وجعل أبناء الوطن الواحد وقودًا لمعركة لا تخدم إلا المحتل، وما يجري في جنوب اليمن يُعد تطبيقًا عمليًا لهذه التحذيرات، إذ تُستخدم الشعارات المناطقية كغطاء لتصفية حسابات الاحتلال بأدوات محلية.
وجاءت تحذيرات السيد القائد واضحة ومتكررة في أكثر من مناسبة من أن العدو حين فشل في إخضاع اليمن عسكريًا، انتقل إلى حرب أكثر خطورة وهي الحرب الناعمة التي يندرج في إطارها التضليل فكريًا ونفسيًا، وقد شدد على أن التضليل الإعلامي أخطر من القصف، وإثارة العدو للنعرات المذهبية والمناطقية سلاح يسعى لاستخدامه لتفكيك المجتمع، واستهداف وعي الأمة وبصيرتها، وأن المعركة الحقيقية هي معركة وعي، وأن الانجرار خلف الشائعات والخطاب التحريضي يخدم العدو.
ختاماً
إن حرب التضليل التي شنها العدوان في اليمن ليست معركة هامشية، بل هي جوهر الحرب الناعمة وأخطر أدواتها، فهي تستهدف الإنسان اليمني في وعيه، ومن هنا، فإن التحذير من تضليل الأمة، يمثل دعوة ملحّة للوعي، لحماية النسيج الاجتماعي، ولتصويب البصيرة تجاه العدو الحقيقي، من أجل وحدة اليمن واستقراره ومستقبله.