الجمهورية الإسلامية في إيران..بين ثبات الموقف وفائض الفعل
البيضاء نت | مقالات | الدكتور محمد البحيصي
خاضت الجمهورية الإسلامية في إيران مواجهة هي الأخطر والأكثر دلالة واثرا وتداعيات على صعيد الداخل الإيراني وكذلك المنطقة..ذلك أن هذه المواجهة جاءت في هذا المنعطف التاريخي الذي تمر به المنطقة التي يطلق عليها أمريكيا الشرق الأوسط..وبعد حرب الإبادة التي لا تزال تشن على الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة..وحرب الاستيطان وضم الأرض في الضفة..وبعد المواجهة مع حزب الله في لبنان .وبعد سقوط النظام السوري..وفي أجواء المواجهة مع اليمن في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس..وهو ما جعل رئيس وزراء العدو الصهيوني يتحدث مرارا وهو يباهي بانجازاته ووهمه أنه غير وجه الشرق الأوسط..يريد بهذا أنه أخرج ساحات محور المقاومة من المعركة..
أن معركة الإثني عشر يوما التي خاضتها إيران هي الأهم على المستوى الاستراتيجي ..وأخطر وأعمق في معطياتها من حرب السنوات الثمانية مع العراق…لماذا ؟
لأن الحرب مع العراق فرضت على إيران من دون أن تكون في مركز المنظومة الايديولوجية للثورة الإسلامية..ودون أن تكون أحد شعارات الثورة ولا هدف من أهدافها..إذ لم يكن العراق في يوم من الأيام نقطة استقطاب للمشروع الثوري الذي نادى به الامام الخميني على الرغم من رأيه وموقفه من سلطة البعث هناك ..وهو الذي عاش في العراق سنين عددا…
لقد كان شعار ” اليوم إيران وغدا فلسطين ” من أبلغ وأهم الشعارات التي رفعتها الثورة الإسلامية..ولم تتأخر في وضع هذا الشعار وغيره مثل ” اسرائيل غدة سرطانية ويجب إزالتها” ومثل ” الموت لأمريكا- المةت لاسرائيل ” موضع التطبيق..ودخلت الثورة من يومها الأول في صدام مع المشروع الصهيوني في إيران والمتمثل بالثالوث ( الشاه الطاغية..أمريكا..اسرائيل) دون تفريق بين أطراف هذا الثالوث ..ولعل أحد أهم الأسباب لاندلاع الحرب مع العراق كان بدفع أمريكي لايقاف المد الثوري والحيلولة دون انتشاره في المنطقة التي تحكمها أنظمة لا تختلف في بنيتها وسلوكها عن نظام الشاه في إيران…
أن هذه المواجهة الأخيرة جاءت تتويجا للمواقف الإيرانية من القضية الفلسطينية وبسبب رفضها ومقاومتها لسياسة التبعية والاستسلام للإرادة الصهيو امريكية…
ومن الضروريات المعلومة أن كل المقاومات في المنطقة تتعاطى مع إيران كمرجعية ثورية ملهمة..وفي نفس الوقت كظهير وداعم لها على كافة الصعد والمستويات..وأنه منذ العام 1982 وهو عام الاجتياح الاسرائيلي للبنان وإخراج قوات الثورة الفلسطينية من هناك وبدء النشاط المقاوم لحزب الله..ثم ظهور حركتي الجهاد الإسلامي وحماس..ومن ذلك التاريخ والى اليوم ارتبطت كل أشكال المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين بإيران التي كانت الداعم الوحيد لجميع قوى المقاومة التي تسميها أبواق أمريكا واسرائيل بزعمهم أذرع ووكلاء إيران….
لم تتخلل فترة الخمسة عقود من العلاقات المتوترة والعدائية بين كل من أمريكا واسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى ولا لحظة هدوء أو توافق..بل كانت على الدوام حالة الصراع هي السائدة..والثقة منعدمة..وهذا هو الوضع الطبيعي نظرا لطبيعة النظام هنا وهناك…فأمريكا واسرائيل اللتان هما وجهان لشئ واحد يريان في إيران شرا مستطيرا يهدد مصالحهما ويوتر المنطقة و….يرعى ( الإرهاب) بمعنى أنه يرعى قوى المقاومة..ويرفض سياسة الهيمنة ويقاوم التطبيع..ويرفض الوجود اليهودي في فلسطين….
وإيران ترى في أمريكا الشيطان الأكبر وراعية الاستكبار..ومسعرة الحروب وترى في اسرائيل جرثومة الفساد والغدة السرطانية التي يجب استئصالها…
وعليه…فإن الحرب الهجينة التي تخوضها إيران ضد الولايات المتحدة واسرائيل أخذت أشكالا مختلفة ومتعددة..من الحرب الناعمة اعلاميا وثفافيا ..إلى الحرب الاقتصادية من خلال الحصار وما يسمى فرض العقوبات إلى محولات اختراق المجتمع الإيراني وإيجاد جماعات وقوى وظيفية تعمل لمشروع إسقاط النظام..إلى الحرب التكنولوجية والسيبرانية واستهداف العلماء والبنية التحتية ..وصولا إلى المواجهة العسكرية التي شنت بتنسيق وشراكة كاملة بين أمريكا واسرائيل لتحقيق أهداف ثلاثة :
تدمير المشروع النووي رغم أن إيران أعلنت على لسان مرشدها أنها ليست بصدد امتلاك أسلحة نووية..وتدمير مشروع القوة الصاروخية…وانهاء الدور الإيراني الفاعل في الإقليم…
هذه هي الأهداف الثلاثة للحرب..وأضيف لها هدف رابع في لحظة نشوة العدوان وهو هدف تغيير النظام بإسقاطه أو بتغيير سلوكه….
كل ذلك كان يجري في ظل صمت وتواطئ دوليين…
أن أهمية هذه المواجهة بالنسبة لإيران أنها أظهرت بجلاء لكل العالم ولا سيما المشككين والمرجفين في بلادنا قيمة الدور والوزن الايراني..ومصداقية الطرح..وثبات الموقف..وصوابية التصور..ومستوى الاعداد لمثل هذه المواجهة الكبرى..فليس قليلا ولا سهلا تخيل أن إيران تواجه بمفردها قوى الكفر والاستكبار لدرجة أنها تحقق التهديد الوجودي للكيان الصهيوني الذي عاش كل ايام المعركة تحت الارض وقد
شلت الحياة فيه وغادره عشرات الألوف من أصحاب الجنسيات المزدوجة وبلا رجعة…
وسقط في أيدي أصحاب نظرية( المسرحية ) ..وراعهم رؤية الصواريخ وهي تنهال على المدن والتجمعات الصهيونية بهذه القوة والدقة وبشكل غير مسبوق اطلاقا في تاريخ الصراع…حيث شهدت فلسطين المحتلة معركة حقيقية على أرض فلسطين وكانت من قبل تسمع بها ولا تراها…
هذه المواجهة التي تدل على ثبات الموقف..وفائض القوة..ومستوى الصبر والإرادة والشجاعة والإعداد يمكن فهمها على أنها نموذج ومقدمة ومثال مصغر لم هو آت من مواجهات..
والى أن يكون ذلك فلتكن الأولوية لبناء القوة وامتلاك المزيد من أسلحة الردع وتحضير أمة الجهاد للمواجهة الحتمية مع الشر المحض الذي تمثله أمريكا واسرائيل…
” ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز”…..
الكاتب والباحث الفلسطيني