غزة تحت حصار الموت: أطفال يلقون حتفهم أمام نقاط توزيع المساعدات
البيضاء نت | تقرير
لم تعد نقاط توزيع المساعدات في غزة مجرد وسيلة لتخفيف الجوع، بل تحوّلت إلى ساحة رعب يواجه فيها المدنيون خطر الموت في كل لحظة. فمراكز التوزيع، التي أقيمت بدعم أمريكي وإشراف “إسرائيلي”، أصبحت مصائد مميتة للمدنيين، وأطفال غزة أكثر الضحايا براءة.
في الشوارع الضيقة للقطاع، تتكدس العائلات في طوابير الانتظار للحصول على طحين وحليب ومعلبات قليلة، بينما يختلط صوت الجوع بصرخات الخوف. الأمهات يهمسن بأسماء أطفالهن، خشية أن يفقدنهم بين الحشود، لكن الرصاص غالبًا ما يصل قبل وصول المساعدات، ليحوّل نقاط التوزيع إلى مسرح للمجازر اليومية.
مع شروق الشمس، يتجمع المئات حول شاحنات المساعدات، والهواء مشبع بالغبار والانتظار. “لم نأكل منذ يومين”، يقول البعض بصوت خافت. لكن لم تمضِ دقائق حتى تتفكك الطوابير على وقع إطلاق النار، وتسقط عبوات الطحين على الأرض، بينما ينسكب الملح على التراب، وكأنه يضيف جرحًا جديدًا للمدينة المنهكة.
ارتفاع الإصابات والوفيات بين المدنيين
أكدت منظمة “أطباء بلا حدود” أن أعداد الجرحى المدنيين ارتفعت ثلاث مرات يوميًا منذ افتتاح هذه المراكز. وقال محمد أبو مغيصب، نائب المنسق الطبي للمنظمة، إن “القطاع الصحي في غزة يواجه رعبًا جديدًا بعد تحول نقاط توزيع الأغذية إلى مناطق قتل”. وأضاف أن كثيرًا من الجرحى يموتون قبل الوصول إلى المستشفيات بسبب خطورة الإصابات.
الموت بين الجوع والقصف
الجوع في غزة ليس حالة عرضية، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية. وجبة واحدة تكفي عائلة كاملة، والحليب يُخفف بالماء لتغطية أسبوع كامل، والخبز يُخبز على بقايا أثاث محطّم. الشباب يتناوبون على الأكل: “اليوم دور الأطفال، غدًا دورنا إذا بقي شيء”. الوزن يتلاشى والأعصاب تتآكل، والطعام يصبح حديث الساعة الوحيد.
وزارة الصحة الفلسطينية أفادت بأن 1965 فلسطينيًا قُتلوا برصاص الاحتلال قرب نقاط توزيع المساعدات، بينما أصيب 14,701 آخرون في نفس المواقع. وفي كل طابور جديد، يظل السؤال الأبرز: هل ستصل الشاحنة؟ وهل سنصل نحن أحياء؟
المستشفيات في مواجهة الكارثة
في أقسام الطوارئ، الأطباء يكتبون وصفات لا يمكن صرفها، وخيوط الجراحة تنفد، والمضادات الحيوية تُوزع بقطّارة، ومسكنات الألم تُعطى مع اعتذارات أكثر منها بجرعات. تقول ممرضة: “نقضي الليل نقنع الأمهات بأن حرارة أطفالهن ستنخفض بالكمادات… لا نملك سوى الماء والصبر”.
وأوضح الدكتور خليل الدقران، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، أن نقص الدواء وانتشار الجوع بين المرضى يجعل شفائهم شبه مستحيل، لا سيما للأطفال والرضع الذين لا تتحمل أجسادهم الجوع المتواصل. وحذر من أن نحو 60 ألف رضيع بحاجة عاجلة للحليب والعلاج، بالإضافة إلى 300 ألف مريض بأمراض مزمنة معرضون للموت بسبب سياسة التقطير في إدخال المساعدات.
من جهته، حذر كاظم أبو خلف، المتحدث باسم “يونيسيف”، من تدهور الوضع الإنساني بشكل مخيف، موضحًا أن معدل دخول الأطفال في دوائر سوء التغذية وصل إلى 112 طفلاً يوميًا.
حصيلة القتل المستمر
منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة الشهداء في غزة إلى 62,004، بينما بلغ عدد الإصابات 156,230. فقط خلال 24 ساعة، سقط 60 شهيدًا و344 مصابًا، ليصل إجمالي القتلى منذ 18 مارس 2025 إلى 10,460، والإصابات إلى 44,189.
مؤشرات المنظمات الدولية تؤكد أن معدلات الموت نتيجة التجويع قد تتضاعف خلال الأيام القادمة مع توسع المجاعة. رفع الحصار والسماح بإدخال المساعدات أصبح ضرورة عاجلة، لكن المجتمع الدولي يظل صامتًا بينما غزة تُسجّل موتها يوميًا.
الخوف وجو إضافي من القهر
أصوات الطائرات أصبحت أكثر حفظًا من أسماء الأطفال، والنساء ينامن بثيابهن خشية مفاجآت القصف. الزمن يُقاس بعدد الانفجارات بين فترات التوزيع، والحكايات التي كانت تروي للأطفال تحولت إلى دروس في البقاء والكرامة وسط الرعب والجوع.
القتل أمام نقاط التوزيع والدواء الشحيح يتركان أجساد المدنيين رهينة للألم والعدوى. وصول المساعدات بشكل آمن وكافٍ وإدخال الدواء والوقود أصبح مسألة حياة أو موت، وليس مجرد مطلب سياسي. في غزة، الحق في لقمة آمنة وجرعة دواء كافٍ هو تعريف الإنسانية بأبسط صورها.