المقاومة.. سِياج لبنان خارج خريطة “إسرائيل الكُبرى”
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبدالمؤمن محمد جحاف
خطابُ الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لم يكن مُجَـرّد موقف عابر أَو رد فعل على حدث آنٍ، بل رسالة استراتيجية تحمل ملامح رؤية متكاملة حول واقع لبنان وخياراته المفصلية.
في لحظة سياسية شديدة التعقيد، يضع الشيخ نعيم قاسم إصبعَه على الجرح: أزمة لبنان ليست داخلية في جوهرها، بل هي انعكاس لسياسة الكيان المحتلّ، وهيمنة أمريكية مُستمرّة، وقرارات حكومية تميل إلى الارتهان بدل التحرّر.
ما طرحه الشيخ نعيم قاسم يضع السيادة في قلب النقاش؛ فـ لا نهضة ولا استقرار بلا سيادة، وهذه المعادلة تبدو بديهية لكنها مغيبة في الممارسة السياسية اللبنانية.
الحكومة –كما يشير– هي المسؤولة عن صياغة خطة وطنية واضحة تعيد للبنان استقلال قراره، سواء عبر تسليح الجيش ليكون عمود الدفاع الأول، أَو من خلال استراتيجية متكاملة تحصّن البلد سياسيًّا وعسكريًّا.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أيةُ حكومة يمكنها أن تضع خطة للسيادة وهي تنفذ سياسات الإملاء الخارجي؟
في هذا السياق يطرح الشيخ نعيم قاسم شعارًا حادًّا: “نطالب حكومة لبنان باستعادة السيادة الوطنية”.
ليس الشعار دعوة عاطفية بل هو أدَاة ضغط، ومحاولة لتوليد وعي شعبي يجعل من السيادة مطلبًا عامًا، لا مُجَـرّد ملفًا تفاوضيًا أَو مادة للمزايدات.
من أبرز ما شدّد عليه الشيخ نعيم قاسم هو إعادة تعريف المقاومة.
المقاومة ليست تنظيمًا بديلًا عن الدولة ولا جيشًا موازيًا، بل هي حالة شعبيّة وروحية قبل أن تكون عسكرية: إيمان وإرادَة ووطنية وشرف.
بهذا المعنى تصبح المقاومة صورة نقيضة للذل والخضوع، وامتدادًا لصمود غزة ومقاومتها.
هي شريك للجيش وليست خصمًا له، لكنها تبقى خط الدفاع الذي يملأ الفراغ حين تُترك الدولة عارية أمام العدوّ.
التحليل الأعمق يكمن في السؤال: ماذا لو غابت المقاومة؟ الجواب جاء واضحًا: لولاها لكانت “إسرائيل” وصلت إلى بيروت كما وصلت إلى دمشق، ولابتلعت مئات الكيلومترات من الأراضي اللبنانية كما فعلت في سوريا.
أي أن المقاومة ليست خيارًا إضافيًّا، بل هي الشرط الوجودي لبقاء لبنان خارج خريطة “إسرائيل الكُبرى”.
من هنا كان الهجوم المباشر على قرار الحكومة الأخير بنزع سلاح المقاومة تحت الوصاية الأمريكية ـ الإسرائيلية.
الشيخ نعيم قاسم وصفه بـ الخطيئة الكبرى؛ لأَنَّه يجرّد لبنان من عناصر قوته في لحظة تهديد وجودي.
القرار، حقًّا، غير ميثاقي ولا وطني، بل يعكس ارتهانًا سافرًا للخارج.
وهنا تأتي عبارته الدالة: “التراجع فضيلة”.
أما الولايات المتحدة، فهي ليست قوة وسيطة أَو داعمًا لاستقرار لبنان كما تحاول أن تُظهر، بل طرفٌ نشطٌ في مشروع التخريب: عقوبات تخنق الاقتصاد، منع لإعادة الإعمار، حصار على المساعدات، وعرقلة لتسليح الجيش.
وفي المقابل، يعمل نتنياهو على تسويق مشروع توسعي يجعل لبنان مُجَـرّد ساحة إضافية ضمن “إسرائيل الكبرى”.
الرسالة المركزية في خطاب الشيخ نعيم قاسم هي أن المقاومة تبقى الضمانة الوحيدة لسيادة لبنان.
لا البدائل الأمريكية ولا الوعود الدولية قادرة على حمايته.
التجربة منذ 2006 أثبتت أن “إسرائيل” لم تجرؤ على اجتياح واسع بفضل قوة الردع التي راكمتها المقاومة.
وأية محاولة لتجريد لبنان من هذه القوة تعني تسليمَه على طبق من فضة إلى المشروع الصهيوني.
بهذا المعنى، لم يكن خطابُ الشيخ نعيم قاسم مُجَـرّدَ دفاع عن المقاومة، بل كان تحذيرًا من مستقبل قاتم إذَا استمرت الحكومة في خياراتها الراهنة.
فالسيادة ليست ترفًا خطابيًّا، بل هي مسألة وجود، والمقاومة هي خطُّ الدفاع عن هذا الوجود.