قطر في خطر

البيضاء نت | مقالات 

 

 بقلم / د. عبدالرحمن المختار

 

لا يكمن الخطر المحدق بقطر وبغيرها من دول الخليج الموصوفة بأنها حليفة لواشنطن في مُجَـرّد هجوم صهيوني استهدف مقر إقامة حركة المقاومة الإسلامية حماس في الدوحة، أَو في مُجَـرّد هجوم سابق شنه الحرس الثوري الإيراني على قاعدة العُدَيْد الأمريكية في الدوحة، بل إن الخطر الأكبر الدائم والمُستمرّ على قطر وغيرها من الدول الخليجية يكمن في الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي العربية في جغرافيا دول الخليج.

 

فوجود القوات العسكرية الأمريكية يجعل من أراضي دول الخليج ساحة مواجهة مفتوحة مع كُـلّ خصوم أمريكا، فإذا ما نشب نزاع مسلح في المستقبل بين الإدارة الأمريكية والصين أَو بينها وبين روسيا أَو بينها وبين أي طرف آخر في المنطقة، فَـإنَّ القواعد العسكرية الأمريكية في دولة قطر وفي بقية الدول العربية الخليجية ستكون بكل تأكيد ساحة معركة، وستكون أراضيها عرضة للهجمات.

 

ومع خطورة وحساسية الهجوم الصهيوني على قطر، إلا أن الإعلام الناطق بالعربية وعلى رأسه شبكة الجزيرة يحصر التناول والتعاطي مع الهجوم وبشكل أَسَاسي في فشل الكيان الصهيوني في تحقيق نتائجه المتمثلة في اغتيال أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض. والهدف من هذا التعاطي صرف الرأي العام عن خطورة الهجوم بحد ذاته بغض النظر عن أهدافه ونتائجه، ذلك أن حصر التركيز على عدم تحقّق الهدف من الهجوم فقط يعني أن الهجوم بحد ذاته ليس محل اهتمام، أَو أن المقصود ألا يكون محل اهتمام من جانب الرأي العام.

والأخطر من تجاهل الإعلام الناطق بالعربية لخطورة الهجوم الصهيوني بحد ذاته على دوحة قطر هو ما صدر عن السلطات في قطر ذاتها وفي الدول العربية الخليجية والدول العربية والإسلامية عُمُـومًا، فقد اقتصر موقف قطر على مُجَـرّد الإدانة للهجوم وكأنه استهدف بلدًا آخر ولم يستهدف قطر ذاتها، وكذلك الحال بالنسبة لبقية الدول العربية الخليجية والدول العربية والإسلامية الأُخرى.

 

فقد اقتصر موقف الدول العربية، خليجية وغير خليجية، والدول الإسلامية على مُجَـرّد الرفض والإدانة وليس أكثر من ذلك، ولو أن هذه الدول تملك قرارها لكان لديها الجرأة على اتِّخاذ إجراءات فورية ليس في مواجهة الكيان الصهيوني فحسب، بل في مواجهة الإدارة الأمريكية؛ باعتبَار أن هذا الكيان المجرم لا يتصرف أي تصرف في منطقة الشرق الأوسط إلا بموافقة أمريكية كاملة.

 

وكان الأجدر بالدول العربية، خليجية وغير خليجية، والدول الإسلامية أن تتجاوز مُجَـرّد الإدانة والتعبير عن الرفض للهجوم إلى سقف أعلى من ذلك، وكان يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تعلن بشكل فوري قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وكذلك تفعل دول البحرين؛ باعتبَار أن الهجوم مسّ دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، وكان على نظام آل سعود أن يعلن وقف مساعي التطبيع مع الكيان الصهيوني.

 

وكان على مصر، إن كان هناك حَــدّ أدنى من الجدية، أن تعلن طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وكان على تركيا أن تفعل ذلك وأن تتجاوز موقفها السلبي المتماهي مع الكيان الصهيوني والمخطّطات الغربية المستهدفة للمنطقة، وأن تعلن بشكل فوري قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني.

 

لكن الدول العربية، خليجية وغير خليجية، والدول الإسلامية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني ولم تحَرّكها الدماء المسفوكة في غزة وفي كُـلّ فلسطين وفي سوريا ولبنان وغيرها من البلدان العربية من جانب الكيان الصهيوني وشركائه الغربيين وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية، لن يحركها هجوم صهيوني على قطر أَو على غيرها من البلدان العربية!

 

واللافت أَيْـضًا أن الإعلام الناطق بالعربية وعلى رأسه شبكة “الجزيرة” لا يركز مطلقًا على الدور الأمريكي في جريمة العدوان الصهيوني على دولة قطر، وجل ما يركز عليه هذا الإعلام هو عدم ارتياح ترامب للهجوم. وعدم الارتياح بطبيعة الحال ليس للهجوم بحد ذاته، بل إن عدم ارتياح ترامب ناتج عن عدم تحقيق الهجوم لنتائجه، ولو أن هذا الهجوم حقّق النتائج التي سبق لترامب الموافقة عليها لكان مرتاحًا بكل تأكيد ولعبر عن ذلك صراحة!

 

ويركز الإعلام الناطق بالعربية على صداقة ترامب لدولة قطر وإشادته بدور أميرها، ووعده بأن لا يتكرّر هذا الهجوم مرة أُخرى على قطر! وكان الأجدر بالإعلام الناطق بالعربية أن يركز بشكل كبير على الدور الأمريكي وعلى الدور الإجرامي لترامب ذاته في هذا الهجوم، فوعده بأن لا يتكرّر الهجوم مرة أُخرى على قطر يعني أنه هو من سمح به طالما أنه يملك السلطة بأن لا يسمح بتكرار هجوم مماثل مرة أُخرى!

 

ومن يدري، لعل المجرم ترامب، الذي يعد مدانًا تمامًا بهذا الوعد الذي التزم فيه بعدم تكرار الهجوم على قطر مرة أُخرى، لعله سينتزع وعدًا من قطر بمنحه تريليون دولار أَو أكثر مقابل منع أي هجوم صهيوني مستقبلي على قطر، التي هي من حَيثُ الأصل في حماية القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي القطرية في قاعدة العديد!

 

وكان الأصل أن تمنع القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة العديد القطرية حدوث ذلك الهجوم بكل الوسائل، وأن ترد عليه بالمثل في حالة وقوعه وبكل الوسائل أَيْـضًا، وإلا فما قيمة تواجدها على الأراضي القطرية وما قيمة التحالف الاستراتيجي المزعوم بين الإدارة الأمريكية ودولة قطر؟

 

ولو كان ذلك الهجوم من جانب بلد آخر، هل كانت القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة العديد في الدوحة ستصد ذلك الهجوم وتمنع وقوعه؟ وهل كانت سترد عليه؟ ستكون الإجَابَة بكل تأكيد أن القوات الأمريكية كانت ستفعل ذلك لو كان الهجوم من بلد آخر عربي أَو غير عربي على قطر، لكن القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة العديد في قطر، وبها مركز عمليات القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط، لم تتصدَّ للهجوم الصهيوني ولم ترد عليه، ليس لعدم معرفتها به أَو لعدم توفر الإمْكَانيات اللازمة لصده؛ بل لأَنَّها موافقة عليه ومنسقة له بشكل مسبق!

 

وكان الأجدر بالإعلام الناطق بالعربية وعلى رأسه شبكة “الجزيرة” إثارة دور القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة العديد في قطر، سواء دورها الدفاعي في صد الهجوم الصهيوني أَو دورها في الرد على ذلك الهجوم، الذي هو من مقتضيات ومستلزمات ومتطلبات التحالف الاستراتيجي بين الإدارة الأمريكية وبين دولة قطر!

 

وكان الأجدر بالإعلام الناطق بالعربية عدم الاستمرار في تضليل الرأي العام العربي والإسلامي بالدور الأمريكي التخريبي للمنطقة العربية برمتها، لتدرك الشعوب تلك الخطورة كون الأنظمة العربية عاجزة تمامًا عن الإدراك؛ باعتبَارها أنظمة وظيفيةً، ولن تدرك إلا ما يريده لها مشغلها الأمريكي أن تدركه؛ مِمَّا يخدم أهدافه ومصالحه ومخطّطاته الإجرامية في المنطقة.

 

لكن من المؤسف القول إن مثل ذلك الدور التنويري لن يؤديه إلا إعلام حر، أما الإعلام الناطق بالعربية فهو الآخر إعلام وظيفي موجه يعمل وفقًا لأجندات استعمارية غربية!

 

وهنا يجدر بنا أن نستحضر ما قاله السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- قبل أكثر من عقدَين من الزمان عن خدمة القنوات الإعلامية من حَيثُ تدري أَو لا تدري لأمريكا وللصهاينة! وَإذَا ما كان ذلك هو تقييم السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- لخطورة دور وسائل الإعلام في ذلك الحين، فكيف يمكن أن يكون تقييمه لخطورة دورها اليوم؟