معجزة التصنيع العسكري.. حين حوّلت الثورة الحصار إلى إنجاز
البيضاء نت | تقرير ماجد محمد
في قلب واحدة من أصعب المراحل التي مرّ بها اليمن المعاصر، ومع اشتداد الحرب والحصار، ظهرت تجربة التصنيع العسكري كأحد أبرز إنجازات ما بعد ثورة 21 سبتمبر 2014.
لم يكن الأمر مجرد مشروع تقني أو خطوة أمنية، بل مسار تاريخي حمل دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية؛ إذ أعاد تعريف قدرة اليمنيين على الاعتماد على الذات في أكثر المجالات حساسية، وأثبت أنّ العزيمة يمكن أن تفتح أبوابًا أُغلقت طويلًا بفعل الوصاية والتبعية.
التصنيع العسكري.. معجزة ثورة 21 سبتمبر
لقد مثل التصنيع العسكري نقلة نوعية في تاريخ اليمن، انتقل فيها الشعب من حالة استهلاك أمني دائم إلى مرحلة إنتاج تُرهب المعتدي وتمنح المواطن ثقة بأن وطنه قادر على الدفاع عنه بما استطاع من قوة بعد أن تم تدمير ما لديه من قدرات دفاعية من قبل النظام السابق العميل.
هذه النقلة لم تكن ممكنة لولا المناخ الذي أتاحته الثورة؛ إذ فتحت المجال أمام العقول المحلية، وأعطت أولوية للبحث العلمي والتطوير التقني، والاستفادة من خبرات الأصدقاء، واعتبرت امتلاك أدوات الدفاع حقًا سياديًا لا ترفًا.
من الحصار إلى الفكرة: كيف بدأ المشروع
مع اندلاع العدوان على اليمن في مارس 2015، وفرض حصار جوي وبحري وبري، أصبح واضحًا أنّ استيراد السلاح أو صيانته سيواجه صعوبات هائلة، المخازن التقليدية كانت تتآكل بفعل الاستهلاك والقصف، والأسواق الدولية مغلقة بفعل القرارات السياسية.
في تلك اللحظة نشأ تفكير عملي: إذا كان الخارج يمنع وصول المعدات، فلماذا لا تُنتَج محليًا؟
كانت هناك تجارب محدودة في إصلاح الأسلحة أو تعديل بعض القطع، لكنها لم تكن ممنهجة، لكن الثورة بقيادتها الحكيمة أوجدت إرادة سياسية وغطاء مؤسسي لتوسيع هذه المحاولات وتحويلها إلى صناعة منظمة.
التحول إلى صناعة حقيقية
مع منتصف العدوان، بدأت تظهر مؤشرات لنجاح الجهود الأولية: صواريخ مطوَّرة محليًا، طائرات مسيّرة بمدى أطول، وقنابل دقيقة استُخدمت في صد هجمات أو ضرب أهداف عسكرية.
هذا التحول لم يكن محصورًا في الجانب القتالي، بل حمل تأثيرات سياسية؛ إذ نقل اليمن من موقع المتلقي للمعدات إلى طرف يمتلك قدرة ردع فعلية ولو بشكل مبدئي.
بحيث أثبت اليمنيون أنهم قادرون على تحويل الحصار إلى حافز، وأن روح الاكتفاء الذاتي يمكن أن تتجلى حتى في صناعة يُظن أنها حكر على الدول الكبرى.
بالتوازي، جرى العمل على تطوير منظومات رصد واتصالات، ما عزز الكفاءة الميدانية، وقلل الاعتماد على تقنيات أجنبية يمكن تعطيلها أو التحكم فيها.
البعد الاقتصادي والاجتماعي
نجاح التصنيع العسكري لم يكن له أثر أمني فقط، بل فتح الباب أمام إعادة توظيف الخبرات المحلية وتدريب أجيال جديدة من المهندسين والتقنيين.
في ظل انكماش فرص العمل وتوقف الكثير من القطاعات، مثّل قطاع الصناعات الدفاعية رافعة تشغيلية، وأوجد بيئة لتطوير مهارات هندسية يمكن لاحقًا أن تُسهم في صناعات مدنية.
وبذلك فإن قدرة اليمنيين على ابتكار وسائل دفاعهم أعادت لهم الثقة في إمكاناتهم، وكسرت عقدة النقص أمام الخارج، بل تحوّل بعض الإنجاز العسكري إلى رافعة لقطاعات أخرى تخدم الجانب والاكتفاء الاقتصادي والتي تعمل الجهات الحكومية المختصة على تطويره بما يصب في صالح البلد وهو ما لم يكن له أي أثر خلال الأنظمة السابقة التي عملت على أن تكون دولة تابعة ومستوردة لأبسط الاحتياجات الضرورية.
التحديات التي رافقت التجربة
لم يكن الطريق سهلًا؛ فقد واجه المشروع جملة صعوبات ولا زال يواجه إلا أن الإرادة الصلبة والشجاعة والتضحية من قبل المجاهدين من أبناء هذا الوطن أبو إلا أن تستمر عجلة التصنيع والتطوير خاصة وأن البلد وصل إلى مرحلة متطورة في التصنيع العسكري لما تطلبه الإسناد لغزة وكانت الصواريخ الفرط صوتية من أبرز ما تم تصنيعه خلال مرحلة إسناد غزة جراء العدوان الصهيوني عليها وكانت من تلك الصعوبات ما يلي:
الاستهداف المباشر: تعرضت مواقع يُعتقد أنها مراكز تطوير لهجمات جوية متكررة.
شح المواد الخام: صعوبة إدخال قطع تقنية أو حتى المعادن الأساسية فرضت على القائمين البحث عن بدائل محلية أو إعادة تدوير معدات قديمة.
الحاجة إلى كوادر مؤهلة: واجهت المؤسسات تحديًا في تدريب مهندسين على تقنيات متقدمة في بيئة نزاع.
مع ذلك، أسهمت هذه العقبات في ابتكار حلول غير تقليدية، وولّدت شبكة تعاون مع مختلف القطاعات ذات العلاقة.
انعكاسات سياسية وأمنية
التطور في التصنيع العسكري منح القيادة السياسية أوراق قوة في التفاوض والردع، بات من الصعب التعامل مع صنعاء كطرف ضعيف بلا إمكانيات.
وأصبح امتلاك وسائل ردع يعني أنّ أي تسوية لا بد أن تراعي مصالحه، وأي تصعيد خارجي سيحسب حسابًا للكلفة.
هذا البعد بحسب محللين أن القدرة على إنتاج السلاح محليًا “غيّرت لغة الحوار بين اليمن والأطراف الإقليمية والدولية” وهو ماجل من السعودية والإمارات إلى المسارعة في إعلان هدنة وتفاوض هروبا من أي ضربات تنالهم بعد أن تجرعوا من ويل الكثير من الضربات، كما تلاها الولايات المتحدة الأمريكية خلال إسنادها لإسرائيل وإرسالها حاملات الطائرات إلى البحر الأحمر والعربي لكن نهايتها ولت هاربة ولجوء الرئيس الأمريكي للوساطة وإعلانه انتهاء الحرب مع صنعاء وتخليه عن مساندة الاحتلال في البحار.
ختامًا
تجربة التصنيع العسكري بعد ثورة 21 سبتمبر تمثل نموذجًا لتحويل الأزمات إلى فرص، رغم القصف والحصار ونقص الموارد، أصرّ اليمنيون على امتلاك أدوات دفاعهم، ونجحوا في بناء قدرات تُحسَب في الإقليم.
لكن القيمة الأعمق تكمن في الروح التي صنعت هذا التحول: روح الاعتماد على الذات، واستعادة الثقة بقدرة المجتمع على الابتكار، حتى في أحلك الظروف.