الأزمات تصنع القادة: كيف تُدار المؤسسات في اليمن في ظل العدوان؟
البيضاء نت | مقالات
بقلم / محمد عبدالمؤمن الشامي
منذ انطلاقة ثورة 21 سبتمبر المجيدة، دخل اليمن مرحلة استثنائية في تاريخه الحديث، مرحلة لم تعرفها شعوب كثيرة في هذا العصر. فمنذ عام 2015، ومع بداية العدوان الغاشم بقيادة تحالف عربي يسعى لتنفيذ أجندة أمريكية واضحة، اكتشف العالم أن اليمن ليس بلدًا يُسقط بسهولة. ولم تتوقف حلقات العدوان عند هذا الحد، بل تتابعت لتشمل تدخلًا أمريكيًا مباشرًا لتنفيذ أجندة صهيونية، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي المكشوف الذي حاول بث الرعب وكسر إرادة الشعب اليمني وإجباره على التخلي عن مواقفه الثابتة تجاه فلسطين وقضايا الأمة.
لكن اليمنيين لم يركعوا، ولم يستسلموا، بل حولوا المحنة إلى منصة للنهوض، والألم إلى قوة، والحصار إلى ابتكار. تحولت الطوارئ من ظرف عابر إلى نظام حياة متكامل. منذ الأيام الأولى للعدوان، وبينما توقع العالم انهيار اليمن سريعًا، أثبت الشعب اليمني أن الاستسلام ليس خيارًا. ظهرت اللجان الشعبية، والمبادرات المجتمعية، والمؤسسات الحكومية التي عملت بأقل الإمكانات لضمان استمرار الحياة، وحماية الأرواح، وتأمين الغذاء والدواء. وبإرادة صلبة وعقلية منظمة، أصبح اليمن يواجه العدوان يوميًا بأسلوب عملي يوازن بين البقاء والنهوض، محولًا كل تحدٍ إلى تجربة غنية من الخبرة الوطنية.
لقد أجبر الحصار اليمنيين على الابتكار والاعتماد على الذات. فحين أُغلقت المنافذ، انطلقت الصناعات المحلية، وحين مُنع الدواء والوقود، ظهرت حلول بديلة فرضتها الحاجة القصوى. في كل مرة، كان العقل اليمني يتحدى الظروف ويحوّل المحنة إلى فرصة، والضيق إلى إبداع، والتهديد إلى صمود. هذه التجربة لم تُبنَ بين ليلة وضحاها، بل تراكمت سنوات طويلة من المواجهة اليومية لكل أنواع العدوان، العسكري والاقتصادي والاجتماعي، حتى أصبح الطوارئ واقعًا متجذرًا في الوعي الوطني، وأصبح اليمن نموذجًا حيًا في إدارة المؤسسات الحكومية وإدارة الأزمات.
ولم يقتصر الصمود على الدولة وحدها، بل المجتمع كان العمود الفقري لهذه التجربة. التضامن الاجتماعي، والتكاتف في توزيع الموارد، والعمل بروح الفريق الواحد، شكل شبكة حماية حقيقية حالت دون الانهيار. لقد برهن اليمنيون أن الجماعة قبل الفرد، وأن النجاح في إدارة الأزمات لا يتحقق إلا بتضافر الجهود بين الحكومة، والمجتمع، والفرد، والقطاع الخاص، مع وعي جماعي راسخ يحول المحنة إلى فرصة للنهوض. وقد أظهرت هذه الخبرة أن الأمم التي تختار الصمود قادرة على تحويل التحديات إلى قوة حقيقية، وأن الإرادة أقوى من أي حصار أو عدوان مهما طال أو تعقدت مراحله.
اليوم، وبعد أكثر من عقد من الثورة والصمود، أصبح اليمن تجربة حية للشعوب الأخرى، درسًا مفتوحًا في الإرادة وإدارة الطوارئ. فقد أثبتت هذه التجربة أن الإرادة أقوى من الحصار، وأن الأزمات ليست لعنة، بل منصة لاكتشاف القوة الكامنة، وتحويل التحديات إلى فرص للنهوض. فاليمنيون، من ثورة 21 سبتمبر إلى اليوم، ومن مواجهة العدوان العربي والأمريكي والإسرائيلي، لم يزدهم ذلك إلا قوة وصلابة، وأثبتوا للعالم أن الطوارئ يمكن أن تتحول إلى مدرسة للتنظيم الوطني والصمود الشامل.
كما أن التجربة اليمنية تظهر بوضوح أن الإرادة المشتركة، والعمل الجماعي، والتخطيط الواعي، يمكن أن يجعل الشعوب قادرة على مواجهة كل أنواع العدوان، وتحويل التحديات إلى فرص لتقوية المجتمع والدولة معًا. واليوم، الحكومة والمجتمع والفرد والقطاع الخاص يقفون على قلب رجل واحد، متحدين في إرادتهم ووحدتهم، ليؤكدوا أن الصمود ليس خيارًا ثانويًا، بل أسلوب حياة، وأن اليمن لا يعرف الانكسار مهما تعددت وجوه العدوان وتغيّرت راياته.
وفي الختام، فإن ما بين ثورة 21 سبتمبر إلى اليوم، وما بين عدوان عربي بأجندة أمريكية، وعدوان أمريكي بأجندة صهيونية، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي المباشر، لم يزد اليمن إلا رسوخًا وإصرارًا على المضي في خط التحرر. لقد تحولت الأزمات إلى وقود للوعي، والحصار إلى مدرسة للاعتماد على الذات، والدماء إلى جسر للعبور نحو مستقبل أكثر صلابة. واليمن اليوم لا يقف متفرقًا ولا مشتتًا، بل حكومةً وشعبًا وفردًا وقطاعًا خاصًا يعملون على قلب رجل واحد، ليؤكدوا للعالم أن هذا البلد عصيٌّ على الانكسار، وأن إرادته الحرة لا يمكن كسرها مهما تعددت أشكال العدوان ومراحله.
اليمن اليوم ليس مجرد قصة صمود، بل مدرسة للشعوب، وتجربة حيّة تثبت أن الإرادة حين تتجسد في دولة ومجتمع وأفراد وقطاع خاص متحدين على قلب رجل واحد، تصنع مستقبلًا لا يعرف الانكسار، وتكتب تاريخًا لا يمحوه الزمن.