الزيف الغربي وانهيار قيم الإنسانية في حرب غزة

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / شاهر أحمد عمير

كشفت حربُ الإبادة على قطاع غزة الزيفَ والنفاق العالميَّينِ تجاه قضايا حقوق الإنسان؛ فبرغم كُـلّ المواثيق والمعاهدات الدولية التي تتغنَّى بها الدول الغربية، جاءت مواقفُها منحازةً بشكلٍ فاضح إلى كَيان الاحتلال الصهيوني، مؤيِّدةً ارتكابَ مجازر بحق المدنيين في أبشع صور العقاب الجماعي، وكان الاتّحاد الأُورُوبي أبرز من سقط في هذا الاختبار الأخلاقي والإنساني.

لقد أظهرت الحرب على غزة الوجه الحقيقي للغرب، والوجه القبيح لأمريكا التي تغمض عينيها عن الجرائم عندما يكون الجلاد هو “إسرائيل”، بل تتعامل وكأن شيئًا لم يحدث، مقدمةً الدعم المطلق لآلة الحرب الإسرائيلية.

فمنذ اليوم الأول للعدوان، أطلقت يد الاحتلال بلا حدود ولا قيود لينتقم من الإنسان في غزة، لمُجَـرّد أن وجود هذا الكيان بدا مهدّدًا في حسابات الدول الكبرى.

ومن كان يتخيل أن اليابان، التي ذاقت مرارة القصف النووي، ستقف ضد وقف إطلاق النار في غزة، وأن سويسرا التي طالما تغنت بالحياد ستتراجع عن واجبها الإنساني وتمتنع عن التصويت لإدخَال المساعدات الإنسانية إلى القطاع؟ لقد كشفت هذه المواقف عمق ازدواجية المعايير الغربية؛ إذ أصبحت القيم الإنسانية سلعة سياسية تُستخدم، حَيثُ تشاء المصالح، وتُغَيَّب حين يكون الضحية عربيًا أَو مسلمًا.

تجلّى ذلك في تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي دان منع وصول المساعدات إلى أوكرانيا بينما سكت عن حرمان غزة من الماء والدواء، وكأن حياة الفلسطيني لا تساوي شيئًا في ميزان القيم الغربية.

فما يُعدّ إجرامًا في حالة، يُعتبر دفاعًا عن النفس في أُخرى، وما يُبكى عليه في أُورُوبا يُبرّر في فلسطين.

لقد تحولت العدالة إلى أدَاة انتقائية، والإعلام الغربي إلى سلاحٍ يبرّر الإبادة تحت مسمى “حق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس”.

وفي خضم هذا الزيف الغربي، برز مشهد عربي مخزٍ لا يقل قسوة عن صمت الغرب.

فقد أنفقت بعض الأنظمة، وعلى رأسها السعوديّة والإمارات، موارد هائلة لدعم فصائل مسلحة ومليشيات في سوريا واليمن والسودان؛ ما أَدَّى إلى تمزيق أوطان عربية وإزهاق أرواح الأبرياء.

كان الأجدر بهاتين الدولتين أن تُسخرا ما تملكانه من أموال ونفوذٍ لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة الاحتلال الصهيوني المجرم، بدلًا عن أن تكونا أدَاة لتمزيق الأُمَّــة وإضعافها خدمةً للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.

وفي المقابل، برز الموقف اليمني بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، كموقفٍ عربيٍ وإسلاميٍ صادقٍ يعبر عن أصالة المبدأ وصدق الانتماء.

فقد جسّد اليمن في هذه المرحلة أعظم معاني الصمود والنصرة، معلنًا وقوفه الواضح إلى جانب فلسطين، قولًا وفعلًا، ومثبتًا أن الكرامة لا تُقاس بالمناصب السياسية، بل بالموقف المبدئي تجاه قضايا الأُمَّــة.

لقد أثبتت حرب غزة أن من يدّعون الإنسانية هم أول من يتخلى عنها، وأن الشعوب الحرة -رغم الحصار والتآمر- ما زالت تنبض بالوعي والإيمان.

فالمعادلة اليوم واضحة: هناك معسكر للحق تدعمه الشعوب المخلصة، ومعسكر للباطل تقوده أمريكا و”إسرائيل” ومن دار في فلكهما.

وبين هذين المعسكرين يقف اليمنيون ثابتين، مؤمنين بأن النصر وعدُ الله لعباده الصادقين.

اليوم انكشفت الحقائق، فلم يعد في الميدان إلا مؤمن صريح أَو منافق صريح.

كُـلّ يحدّد موقعه – إما مع غزة وحلفائها أَو مع كَيان الاحتلال الصهيوني وأمريكا ومن تبعهم.

وقد آن للأُمَّـة أن تراجع نفسها وتعيد بوصلتها نحو القضية المركزية، فزمن التخاذل انقضى وسقوط الأقنعة أصبح واقعًا لا يمكن إنكاره.

وما يجري اليوم ليس مُجَـرّد حرب، بل امتحانٌ للإيمان والكرامة، وتمييزٌ بين من يقف مع المستضعفين ومن يصطف مع الطغاة والمحتلّين.

ولن يخرج العرب من هذا الامتحان إلا بالعودة إلى الله ونصرة دينه والوقوف في صف الحق، مصداقًا لقوله تعالى:

﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.