عدن والمحافظات المحتلّة.. تحت بطش مرتزِقة الانتقالي
البيضاء نت | مقالات
بقلم / محمد نبيل اليوسفي
في لحظةٍ استثنائيةٍ وعصيبة، تتركّز أنظار صنعاء نحو الردع الكامل للعدوان الخارجي، بينما تطفو على السطح معطياتٌ جديدة تكشف عن منعطفاتٍ خطيرة يُحدثها مرتزِقة الداخل في المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
ففي عدن، عاصمة الجنوب المحتلّ، يمارس ما يُعرف بـ”الانتقالي” -وهو أدَاة طيّعة في يد الاحتلال الإماراتي السعوديّ- أبشع أشكال البطش والتنكيل بحق الشعب اليمني.
فما يجري هناك ليس مُجَـرّد اضطراب أمني أَو أزمة اقتصادية عابرة، بل كارثة إنسانية مُمنهَجة تُهدّد حياة المواطنين بالمجاعة، والمرض، والموت البطيء.
انتفاضة شعبٍ يائس
رغم القمع والترهيب، تكتظ شوارع عدن بالاحتجاجات الشعبيّة، حَيثُ يخرج المئات من المواطنين الغاضبين من تدهور الأوضاع المعيشية إلى درجةٍ لا تُطاق.
فالأزمات الحادة في المياه، والكهرباء، والغذاء، والصحة، لم تعد مُجَـرّد سوء إدارة، بل نتيجة مباشرة لسياسات النهب والفساد التي يمارسها مرتزِقة الانتقالي، الذين لا يمثلون حكومةً ولا دولة، بل مُجَـرّد مليشيا مأجورة تعمل لحساب أسيادها في أبو ظبي والرياض.
وقد أَدَّت سياساتهم إلى:
انهيار اقتصادي عميق، تضخّم جامح في السيولة النقدية، ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأَسَاسية، انعدام الأمن والاستقرار، نهب موارد الدولة ومستحقات المواطنين، غياب شبه تام للقضاء والعدالة.
واقعٌ مرير: لا عدالة، لا أمن، لا كرامة
اليوم، يعيش مجتمع عدن حالة اضطهادٍ شامل: نفسيًّا، ومعنويًّا، وماديًّا.
فالعدالة غائبة، والحقوق مُصادرة، والمواطن يُلاحق لقمة عيشه في ظل فراغ مؤسّسي مُفتعل.
وقد تحولت المحافظة إلى ساحة صراعٍ يومي، لا لسببٍ سوى أن مرتزِقة الانتقالي حوّلوها إلى سوقٍ لنهب الثروات الوطنية وخدمة أجندة خارجية.
ومنذ بداية العدوان قبل أحد عشر عامًا، لم تكن عدن والمحافظات الجنوبية سوى ساحةٍ لتنفيذ أجندة أمريكية–إسرائيلية–إماراتية–سعوديّة، تهدف إلى احتلال الأرض، وسرقة الثروات، وتفكيك الهوية الوطنية، دون أدنى مراعاةٍ للضمير الإنساني أَو القيم الدينية.
مرتزِقة العدوان: أدَاة احتلال لا تمثيل شعبي
ما يمارسه هؤلاء المرتزِقة في عدن وغيرها من المحافظات المحتلّة ليس سوى دليلٍ قاطع على أن أي شعبٍ يتخلى عن وعيه الوطني ويسمح لعملائه بالتحكم بمصيره، سيصبح حتمًا فريسةً للغزاة والمستعمرين.
لذا، فإن المطلوب اليوم من الشعب اليمني -في الجنوب كما في الشمال- هو:
الوعي بحقيقة المشروع التآمري، الصمود في وجه سياسات التجويع والترهيب، الثبات على خيار المقاومة والتحرّر، والتحدي الشجاع لطرد الغزاة ومرتزِقتهم من كُـلّ شبرٍ من أرض الوطن.
صنعاء نموذجًا: بين المقاومة والبناء
في المقابل، تُقدّم صنعاء نموذجًا استثنائيًّا في ظل الحصار والحرب المُستمرّة منذ أكثر من عقد.
فرغم العدوان البري والبحري والجوي، ورغم الحصار الاقتصادي الخانق، نجحت الحكومة في:
تحقيق درجةٍ ملحوظة من الاكتفاء الذاتي، تطوير البنية التحتية في التعليم والصحة، تعزيز القدرات العسكرية والدفاعية، وحماية المكتسبات الوطنية من النهب والتفكيك.
واليوم، باتت صنعاء رمزًا للأمن القومي اليمني، وحصنًا للهوية والاستقلال، في وقتٍ تتهاوى فيه المحافظات المحتلّة تحت وطأة الفساد والفوضى والاحتلال غير المباشر.
خاتمة: الفرق بين المقاومة والعمالة
المقارنة بين واقع المحافظات المحتلّة وواقع المناطق المحرّرة تحت قيادة صنعاء ليست مُجَـرّد مقارنة إدارية أَو اقتصادية، بل هي مقارنةٌ وجودية بين:
مشروع الكرامة والسيادة، ومشروع التبعية والارتهان.
والمواطن اليمني، الذي يعمل ليل نهار ليُطعم أبناءه، يستحق أن يعيش في وطنٍ يحمي كرامته، لا أن يُحوّل إلى وقودٍ لحروب الآخرين ومشاريعهم الاستعمارية.
لذا؛ فإن التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في مواجهة العدوان الخارجي، بل في كشف وجوه المرتزِقة الداخليين، ورفض كُـلّ أشكال التبعية التي تُنهي الحياة الإنسانية تدريجيًّا، لصالح مصالح أسيادهم في الخارج.
صنعاء تُثبت كُـلّ يوم أن المقاومة ليست خيارًا، بل ضرورة وجود.
وأن الوطن لا يُبنى إلا بالعزة، لا بالخنوع.