الشهداء أحياءٌ عند الله.. وأحياءٌ بيننا

البيضاء نت | مقالات 

 

بقلم / عبدالله علي هاشم الذارحي

 

من المعلوم أنّ “أسبوع الشهيد الحيّ عند الله وعندنا” يُشكّلُ مناسبةً وطنيةً وإيمانيةً عظيمة، تُقام خلالها فعالياتٌ هادفةٌ يستلهم منها الشعبُ جهادَ وسخاءَ الشهداء، ويُجدّد عبرها عهدَه بالسير على خُطاهم في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.

وفي هذا الأسبوع، يزدادُ التواصُلُ مع الشهداء ومع أُسَرهم وأبنائهم، تطبيقًا لتوجيهات سيد القول والفعل، القائد الحكيم، حين قال:

«أكرموهم يكرمْكم الله، احترموهم، أعزوهم، قدّروهم، أحسنوا إليهم؛ إن الله يحبُّ المحسنين».

فالشهيد – كما أخبرنا القرآن الكريم – حيٌّ عند ربّه، يُرزَق في جنات الخُلد:

{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

نعم الرُّفقة! ونعم الجزاء!

بعد أن باع روحَه لله، واشترى اللهُ منه، فكان شهيدَ الحقِّ حيًّا يُرزَق، أما قتيل الباطل، فمآله نار الله وسخطه.

ويبقى الشهيدُ حيًّا عندَنا بإيمانه الكامل، ورجولته العالية، وبطولاته الأُسطورية.

هو سامُ فخرٍ لشعبه ووطنه، ومدرسةٌ للأجيال، ونجمٌ مضيئٌ في مدرسة العطاء والثبات.

ويبقى الشهيد حيًّا عندنا بسيرته العطرة، التي تملأ الكونَ برائحة المسك، منعشةً لقلوب السالكين دربه والمقتفين أثره.

ويبقى حيًّا بأخلاقه الفاضلة، وتعامله الكريم مع أهله والناس كافةً.

لهذا وصف السيدُ القائدُ -عليه نورُ الهُدى- الشهيد الغُماري قائلًا:

«هو من النماذج الراقية في المدرسة القرآنية، وهو أَيْـضًا من رجال هذا البلد، هذا الشعب، الذين سيخلّدهم التاريخ».

ويبقى الشهيد حيًّا بيننا؛ لأَنَّه ضحّى بنفسه في سبيل الله دفاعًا عن الأرض والعرض.

فالشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى هي أسمى عطاءٍ يجود به الإنسان.

وليس غريبًا أن نقول: «شهداؤنا هم بحق عظماؤنا»، فليس هذا القول من فراغ، بل هو اعتراف صادقٌ بتضحياتهم العظيمة.

ويبقى الشهيد حيًّا؛ لأَنَّه سقى بدمه الأرض، فنبت من عَطَره النصرُ ثمارًا يانعةً في كُـلّ مجالات الحياة.

وواجبنا أن نُجلّ عطاءَه، ونُحيي ذكراه.

ويبقى الشهيد حيًّا عندنا، وعند الله يُشفَّع في سبعين من أهله؛ فيحيون معه حياةً أبديةً في جواره.

فالشهادة فوزٌ عظيم، وسعادةٌ وتكريمٌ إلهيّ كبير، في الدنيا والآخرة معًا.

ويبقى الشهيد حيًّا؛ لأَنَّه اسْتُشهِدَ على الحق الذي لا يموت، ليُشرِقَ نورُه في الأرض، حتى تقوم الساعة، ويُنصَفَ الأشهاد.

ويبقى الشهيد حيًّا؛ لأَنَّ اسمَه من أسماء الله الحسنى – «الشهيد» – وهو كالشهد «العسل» الذي فيه شفاءٌ للناس من أمراض كثيرة، شفاءٌ للقلوب، ونورٌ للعقول، وقوةٌ للإرادَة.

ويبقى الشهيد حيًّا؛ لأَنَّ القُصاص كتبوا عنه مقالاتٍ، ونَظَمَ الشعراءُ في رثائه قصائدَ، وألّف المؤلفون في سيرته مجلداتٍ، فصار مصدرَ إلهامٍ لكل باحثٍ ودارس، وظلّت وسائلُ الإعلام تتحدث عنه، وما زال الحديثُ عن عطائه لا ينتهي.

لقد حكى لنا التاريخُ عن إيمان شهدائنا، وبطولاتهم، وجهادهم، وانتصاراتهم، ليس فقط لِيُسجّلَ أفعالهم، بل ليأخذَ الأحياءُ العِبَرَ والعظةَ من سيرتهم، وليتّخذوها منبعًا للثبات في وجه الطغاة الظالمين.

سلامُ الله على شهدائنا الأبرار، ما تعاقب الليلُ والنهار.

ختامًا، مهما قيل – وسيُقال – عن الشهيد الحيّ عند الله وعندنا، نقسم بالله أننا لن نوفيه حقّه، فـ الله وحده هو الذي وفّاه حقّه في كتابه العزيز، حَيثُ قال سبحانه:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] صدق الله العظيم.

ونحن على ذلك من الشاهدين والقائلين: «لبيك يا شهيد، لبيك يا شهيد!

إنا على خُطاك سائرون، حتى نيل إحدى الحسنيين:

إما أن نحيا بنصرٍ عزيزٍ كريم، وإما أن نحيا بالشهادة حياةً أبديةً عند الخلق والخالق».

والله على ما أقول شهيد.