التبعية في ثوب الشراكة: السعوديّة في اليمن.. شريكٌ أم أدَاة؟
البيضاء نت | مقالات
بقلم / فهد شاكر أبوراس
لا يزال المِلَفُّ اليمني يكشف، بقسوةٍ لا تُطاق، حقيقة العلاقات الدولية التي تُقدَّم للعلن على أنها “شراكات استراتيجية”، بينما هي في جوهرها علاقات تبعية واضحة المعالم.. ومن بين أبرز ضحايا هذا الوهم، النظام السعوديّ، الذي يتوهّم أنه لاعبٌ إقليميٌّ مستقل، بينما لا يزال يُستخدم كأدَاة تنفيذية في خدمة أجندات غربية وإسرائيلية لا تتقاطع بالضرورة مع مصالحه الوطنية، بل كَثيرًا ما تُورّطه في مآزق لا طائل منها.
ما يجري في اليمن ليس سوى مثال صارخ على هذا التناقض.
فالتعاون الاستخباري المعلن – أَو غير المعلَن – بين السعوديّة والولايات المتحدة وكَيان الاحتلال لا يعكس شراكة بين أنداد، بل علاقة غير متكافئة من بدايتها إلى نهايتها.
الأجهزة الغربية تدرك جيِّدًا عجزها عن فهم البيئة اليمنية: تضاريسها الوعرة، نسيجها القبلي المعقّد، وتاريخها الممتد في المقاومة.
ومن هنا، تلجأ إلى النظام السعوديّ ليس كشريك في التحليل أَو صنع القرار، بل كـ”وسيط ميداني” يجمع البيانات الخام ويوصلها إلى مراكز التحليل في واشنطن وكيان الاحتلال، حَيثُ تُفسَّر وتوجّـه دون أي دورٍ سعوديّ حقيقي.
المفارقة الصادمة أن السعوديّة، رغم ما تنفقه من مليارات على أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، ما زالت عاجزة عن تكوين منظومة استخباراتية مستقلة قادرة على فهم سياقات الصراع في جوارها المباشر.
وبدل أن تكون طرفًا فاعلًا، أصبحت مُجَـرّد قناة لنقل المعلومات، تُستَخدم ثم تُهمَل، تُحمَّل تبعات القرارات، ولا تملك سلطة التأثير في محتواها.
الأمر لا يتوقف عند حدود العجز التقني أَو التحليلي، بل يمتد إلى نظرة الاستعلاء التي تتعامل بها الدوائر الغربية مع “شركائها” العرب.
فرغم كُـلّ الشعارات الرنانة عن التعاون والشراكة، يُمنع الضابط السعوديّ – شأنه شأن غيره من العرب – من الوصول إلى مراكز صنع القرار أَو مراكز التحليل المتوسطة داخل الهياكل الغربية.
هو ناقل معلومات، لا شريك في التفكير.
وهذا ليس تمييزًا عرقيًّا فحسب، بل تعبيرٌ عن عدم ثقةٍ جوهريٍّ في قدراته، وتصنيفٍ له كأدَاة قابلةٍ للاستبدال متى دعت الحاجة.
في اليمن، يُستخدم النظام السعوديّ كغطاءٍ محليٍّ لعمليات استخباراتية غربية وإسرائيلية، توفر له ذرائع سياسية وتكنولوجية، لكنها تحجب عنه أي دور استراتيجي حقيقي.
الأقمار الاصطناعية الأمريكية تحتاج إلى من يفسّر لها الأسماء والأصوات والقبائل؛ وهنا يظهر الدور “الخدمي” المؤقت للسعوديّة، الذي لا يترافق مع أي صلاحيات فعلية في توجيه استخدام تلك المعلومات أَو تحديد غاياتها.
هذا النوع من العلاقة لا يمكن وصفه إلا بأنه “استعمار استخباراتي جديد”، يُدار عن بُعد، ويُنفَّذ عبر وكلاء محليين يُغدق عليهم بالدعم المادي والسياسي، طالما كانوا مفيدين.
لكنهم يُرمَون جانبًا بمُجَـرّد تحوّل أولويات الأسياد.
التاريخ مليء بالشواهد: من نظام الشاه في إيران إلى أنظمة عربية ظنّت أنها حلفاء استراتيجيون، ثم استُبدلت في لحظة واحدة حين لم تعد تنفع.
اليوم، اليمن هو المسرح الذي تنكشف فيه الحقيقة العارية: السعوديّة ليست صانعة قرار في هذا الملف، بل منفّذة لقرارات لا تملك حق النقاش فيها.
وكل ما يُروّج له من “دور قيادي” أَو “مبادرة سياسية” لا يتجاوز كونه واجهةٍ تجميلية لعلاقة تبعيةٍ عميقةٍ الجذور.
وطالما ظلّ النظام مُصرًّا على الاعتقاد بأنه شريكٌ متكافئ، دون أن يبني قدراته الذاتية، ويُعيد تعريف مصالحه بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، فسيظل أسير لعبة لا يملك فيها سوى أن يدفع الثمن – سياسيًّا وأمنيًّا – بينما يحصد الآخرون النتائج.
الشراكة الحقيقية لا تُمنَح بالتصريحات، بل تُكتسب بالاستقلالية، والقدرة، والوضوح في تحديد المصالح.
وطالما افتقرت السعوديّة إلى هذه المقومات، فـ”الشراكة” ستبقى مُجَـرّد ثوبٍ رقيقٍ يُخفي واقع التبعية، بكل مرارته.