السعوديّة.. ذِراعٌ وظيفية
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبد القوي السباعي
يقف الشعب اليمني اليوم، أمام مشهدٍ مكشوفٍ لم يعد العدوّ قادرًا على تجميل قبحه، ولا إخفاء دمويته خلف شعارات الشرعية الدولية أَو حقوق الإنسان، وبات واضحًا لكل ذي بصيرة أنّ العالم تُديره منظومة غاشمة، تمسك أمريكا بخيوطها، ويؤدي كَيان الاحتلال الصهيوني دورَ الخادم المتوحِّش في تنفيذ جرائمها، والأنظمة العربية الوظيفية بدور الممّول؛ بينما تُزيّف المؤسّسات الأممية العدالةَ بقراراتٍ تُكتب وفق ميزان القوة لا ميزان الحق.
في المشهد الذي يبدو غيرَ مُلتبسٍ على الجميع، حَيثُ اختلطت الأقنعةُ بالوجوه وتخفّت خناجرُ الغدر تحت عباءات التزلف والنفاق العالمي، برز النظامُ السعوديّ بوصفه أخطرَ أذرع العدوان الأمريكي–الصهيوني وأكثرها غلظةً ودمويةً تجاه اليمن أرضًا وإنسانًا.
نظامٌ لم يعد يخفي دورهَ، ولا يتورع عن كشف صِلاته؛ إذ تحوّل إلى مركز عملياتٍ وظيفي تُدار منه غرفٌ سوداءُ تُحدّد فيها خرائط الاستهداف، وتُصاغ فيها الخطط التي تستهدف كُـلّ ما هو يمني، الأرض والسيادة، التاريخ والهُوية، العزة والكرامة، الإدراك والوعي.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية من العدوان السعوديّ الأمريكي الإماراتي الصهيوني على اليمن، لم يكن هذا العدوان طيشَ سياسيًّا منفردًا من “المهفوف ابن سلمان”، وإنّما أصبح التزامًا وظيفيًّا يؤديه النظام السعوديّ لحساب المشروع الأمريكي–الإسرائيلي في اليمن والمنطقة ككل.
وما أدواته الاستخبارية، ومليشياته المصنوعة، وشبكاتُه الدعائية والإعلامية، إلّا أجهزة تنفيذٍ قذرة مهمتُها: تقسيمُ اليمن، وضربُ نسيجه الاجتماعي، وسرقةُ موارده، وتشويهُ أبنائه الشرفاء الأحرار، وتدمير بنيته الحضارية والإنسانية، وكل ذلك تحت شعارٍ كاذب اسمه “استعادة الشرعية”؛ بينما الحقيقة أنّ الشرعية الوحيدة التي يسعون لاستعادتها هي شرعية الهيمنة والوصاية التي أسقطها اليمنيون إلى غير رجعة في الـ 21 من سبتمبر 2014م.
لقد كشف الواقع اليوم، بدمه ودماره، بتوحشه وحصاره، أنّ كُـلّ أذرع السعوديّة والإمارات في الداخل اليمني ليست سوى غرف تجسّس صهيونية، مجموعات اختراق أمريكية، خلايا تضليل، وأدوات إعلامية تُصاغ بياناتها من خارج الحدود، يحاربون اليمني في قوت يومه، في أمنه، في وعيه، في تاريخه، وحتى في حقه الطبيعي بأنّ يعيش حُرًّا.
فأيّ عارٍ أكبر من نظامٍ لا ينتج قرارًا سياديًّا واحدًا؟، أيُّ عارٍ أكبر من دولةٍ تمتلك المالَ والسلاح، لكنها لا تمتلك إرادَةَ خارج دفتر التعليمات الأمريكي الصهيوني؟
ولأن اليمن “أرضًا، إنسانًا، تاريخًا”، كان وما يزال وسيظل المقبرةَ التاريخية للغزاة، ولم يركع يومًا لمحتلّ؛ فقد بات اليوم كابوسًا للمنظومة الصهيونية العالمية بما فيها النظام الوظيفي في منطقتنا والمتمثل بالسعوديّة التي ظنّت أنّ المال يشتري الجغرافيا، وأنّ الطائرات تُخضع الإرادَة.
لكنهم اكتشفوا أنّ اليمنَ ينهضُ كلما ظنوه سقط، يقاتل كلما أرادوا تدجينَه، يصنع وعيًا كلما أغرقوه بالتضليل، ويعيد صياغةَ موازين الردع في المنطقة رغمَ أنف قوى الهيمنة والاستكبار والوصاية؛ فهم يواجهون شعبًا لا يُهزَم، وعقلًا لا يُشترى، وكرامةً لا يُساوَم عليها.
واللافتُ أنّ النظامَ السعوديّ -رغم خساراته المتراكمة- ما يزال يدفعُ بأدواته الاستخباراتية إلى الانتحار؛ ظنًا منه أنّ اليمن يمكن إخضاعُه بخلايا تجسسية، وبتشويهات إعلامية أَو بشبكات من الخونة والعملاء لا تملك انتماءً ولا مشروعًا؛ إذ تقول كُـلُّ الحقائق على الأرض: إنّ كُـلَّ تلك الأدوات تحترق، وكل الرهانات تنهار، وكل المشاريع تتساقط وفي المواجهة ضد الإرادَة اليمنية الصُّلبة.
ولن نقولَ سوى ما يقوله التاريخ: العملاء الوظيفيون يمضون، والأوطان تبقى، العدوان يُهزَم، والشعوب تنتصر، ومن يضعْ نفسَه خادمًا لمشاريع الهيمنة؛ فلا ينتظِرْ من الأُمَّــة إلا أنّ تُسقِطَه سياسيًّا، إعلاميًّا، ميدانيًّا ومعه كُـلّ أدواته، ولم يعد للهيمنة والوصاية مكانٌ، ولم يعد لأجهزة “الرياض وأبو ظبي” سوى موقع واحد؛ هو “الموت” والزوال ضمن قائمةٍ طويلةٍ من الفشل والخيبة والانكشاف، وأمّا اليمن؛ فهو اليوم يكتب بدمه ووعيه وحضوره أعظمَ دروس العصر في الانتصار.