تقدير موقف استباقي حول زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة

البيضاء نت | تحليل  أنس القاضي

 

تأتي زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة في هذا التوقيت ضمن لحظة إقليمية ودولية شديدة الاضطراب، وفي سياق تحوّلات استراتيجية تعيد رسم موازين القوى في المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية–الصهيونية على حساب استقرار الإقليم. وقد أعلن الديوان الملكي عن الزيارة مسبقاً بوصفها زيارة عمل رسمية، ما يؤكد أنها جزء من مسار سياسي–أمني يهدف إلى إعادة هيكلة العلاقة بين الرياض وواشنطن، وليس تحركاً طارئاً أو مفاجئاً.

 

بدأت الزيارة يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025م، على أن يعقد اللقاء الرئيسي بين ولي العهد والرئيس الأميركي دونالد ترامب في 18 نوفمبر، حيث يتوقع أن تتصدر المباحثات ملفات التطبيع مع الكيان الصهيوني وما يسمى بـ”الدفاع الإقليمي”، إضافة إلى بحث منظومة الضمانات الأمنية التي تسعى إليها الرياض لتغطية عجزها العسكري وتحصين نفسها في مرحلة ما بعد حرب غزة. وتشمل الزيارة أيضاً جدولاً اقتصادياً مكثفاً، يتقدّمه منتدى الأعمال والاستثمار السعودي–الأمريكي المقرر عقده يوم الأربعاء في مركز جون كينيدي، بمشاركة واسعة من شركات التكنولوجيا والطاقة والذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية، في إطار محاولة سعودية لاستمالة رؤوس الأموال الأمريكية وتقديم المملكة كسوق مفتوح يخدم أجندة واشنطن التكنولوجية.

 

وتشير المؤشرات إلى أن ولي العهد سيجري سلسلة من اللقاءات مع مسؤولي الإدارة الأمريكية وقادة الشركات الكبرى، سعياً لتعزيز الشراكة الاقتصادية وتثبيت موقع المملكة كمركز تابع في منظومة التكنولوجيا الأميركية، وكذلك ملف التطبيع السعودي مع الكيان، بالتوازي مع بحث ترتيبات دفاعية جديدة تحاول من خلالها الرياض تعويض فشلها في العدوان على اليمن واستعادة توازنها في بيئة إقليمية مضطربة.

 

وفي خلفية هذه التحركات، يبرز الملف اليمني بوصفه أحد العناوين الأكثر حضوراً في الحسابات السعودية–الأميركية، إلى جانب ترتيبات البحر الأحمر ومستقبل غزة، إضافة إلى موقع المملكة في التوازنات الدولية بين واشنطن وموسكو وبكين.

 

من هذا المنطلق، يهدف هذا التقدير إلى تحليل طبيعة القضايا المطروحة على طاولة الزيارة، وتحديد موقع اليمن داخل هذه الأجندة، واستشراف التداعيات المحتملة على مسار العدوان والسلام في اليمن، وعلى شكل التموضع السعودي في الإقليم خلال المرحلة المقبلة.

أولاً: القضايا الأساسية المرجّح تناولها خلال الزيارة

تشير المعطيات الأولية إلى أن الزيارة تحمل طابعاً استراتيجياً يتجاوز الشكل البروتوكولي، وتتناول ثلاثة مسارات رئيسية تمثل ملامح التحرك السعودي–الأميركي في المرحلة المقبلة:

المسار  العسكري والأمني

تسعى الرياض، في سياق إعادة ترتيب موقعها الأمني، إلى الحصول على ترتيبات  عسكرية أوسع مع واشنطن، تشمل:

  • بلورة صيغة اتفاق  عسكري أو إطار تعاون أمني طويل المدى يمنحها ضمانات ردعية ضد ما تعتبره “مخاطر إقليمية”
  • إعادة إدراج صفقة المقاتلات F-35 ضمن التعاون العسكري، مع توسيع منظومة الدفاعات الجوية والصاروخية.
  • تعزيز التعاون في الطاقة النووية المدنية ضمن شراكة تقنية أمريكية تمنع تحرّك الرياض نحو موسكو أو بكين.

يمثل هذا المسار الركن الأكثر حضوراً في أجندة الزيارة، باعتباره مرتبطاً بإدراك سعودي–أميركي مشترك بأن البيئة الإقليمية تتجه نحو إعادة تشكّل واسعة، يخشون معها أن تعيد قوى المقاومة بناء قدراتها.

  المسار الاقتصادي–التكنولوجي

يتجه الطرفان إلى إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية من نموذج “النفط مقابل الأمن” إلى شراكة أوسع في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة، بما يشمل:

  • إنشاء بنى تحتية رقمية ومراكز بيانات ضخمة بدعم الشركات الأميركية.
  • توسيع الشراكة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، وسلاسل توريد المعادن الحيوية.
  • إشراك الشركات الأميركية في مشروعات رؤية 2030م لضمان تدفقات الاستثمار، وتقليل مخاطر الاضطراب الاقتصادي في السعودية.

 المسار السياسي–الإقليمي

ترتبط الزيارة مباشرة بالتحركات الأميركية لإعادة هندسة ملفات المنطقة، وعلى رأسها:

  • دور السعودية المرتقب في ترتيبات غزة بعد الحرب، سواء في إعادة الإعمار أو في إعادة صياغة القيادة الفلسطينية.
  • تحديد موقع الرياض في التوازنات الإقليمية الجديدة ومحاولة تحجيم النفوذ الإيراني مقابل صعود أدوار تركيا وقطر ومصر.
  • مناقشة ملف “التطبيع”.
  موقع ملف التطبيع في أجندة الزيارة

تشير المعلومات العلنية إلى أن ملف التطبيع يشغل موقعاً واضحاً داخل أجندة الزيارة، رغم تعقيدات اللحظة الإقليمية. فالإعلان المباشر للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عزمه مناقشة “اتفاقيات أبراهام” مع ولي العهد السعودي يعكس أن واشنطن تنظر إلى التطبيع باعتباره جزءاً أساسياً من ترتيبات ما بعد حرب غزة، وليس ملفاً مؤجلاً أو مُرحّلاً.

 كما أن الإشارة إلى “الصفقة الكبرى” التي طُرحت عام 2022م — معاهدة دفاع مشترك مقابل تطبيع سعودي–إسرائيلي — توضح أن المسارين الدفاعي والسياسي مرتبطان بصورة عضوية، وأن أي تقدم في ملف الضمانات الأمنية لا ينفصل عن توقعات أميركية بتقارب سعودي مع الكيان الصهيوني.

 ومع أن الحرب في غزة جعلت خطوة التطبيع العلني صعبة في المدى القريب، إلا أن المعلومات تؤكد أن سقوط هذه المعادلة كان “مؤقتاً”، وأن واشنطن والرياض تستغلان الزيارة لإعادة صوغ شروطها في ضوء موازين القوى الجديدة.

 وبذلك، يظهر ملف التطبيع بوصفه محوراً حاضراً في النقاشات، سواء كجزء من الترتيبات الدفاعية قيد التفاوض أو كمطلب أميركي يهدف إلى تثبيت دور السعودية في هندسة النظام الإقليمي المقبل، حتى إن لم يكن الإعلان عنه وشيكاً.

ثانياً: موقع الملف اليمني في الزيارة وطبيعة تناوله

تُظهر البيانات أن الملف اليمني سيكون مطروحاً من زاوية أمنية بحتة، وبحسب المؤشرات الحالية فإن تناوله سيتركز في ثلاث دوائر رئيسية:

تضع واشنطن صنعاء ضمن نطاق القوى القادرة على صياغة معادلات ردع جديدة في الإقليم، وهو ما يدفع الرياض إلى إدراج اليمن في صلب بحثها عن ضمانات أمنية لحماية مسارها الاقتصادي، وعليه، تؤطَّر القضية اليمنية في هذه الزيارة باعتبارها جزءاً من منظومة “مخاطر يجب احتواؤها”

من المرجح أن تدفع الرياض نحو:

  • تضمين الاتفاق الدفاعي بنوداً تغطي الدفاع الجوي والصاروخي في مواجهة أي هجمات مصدرها اليمن.
  • توسيع التعاون الاستخباراتي لرصد قدرات صنعاء في الجو والبحر.
  • بحث ترتيبات خاصة في البحر الأحمر والممرات الدولية، تحت عناوين “حماية الملاحة”.

لا تشير المعلومات إلى نية لطرح أي مسار تفاوضي أو سياسي يتعلق باليمن أثناء الزيارة، ويجري التعامل مع الملف اليمني في إطار أمني، وليس في إطار فتح نقاش حول العدوان أو جذور الصراع، أو الاعتراف بالتوازنات الجديدة على الأرض.

في العموم حضور اليمن في الزيارة سيتم من زاوية أمنية محضة، وبوصفه ملفاً يجب احتواؤه، لا كمسار يُبحث فيه السلام أو التسوية.

ثالثاً: تناول الوضع الإقليمي خلال الزيارة

تعكس الزيارة محاولة أميركية–سعودية لإعادة صياغة ميزان القوى في المنطقة بعد التحولات الأخيرة، ويتجلى ذلك في ثلاثة محاور أساسية:

إعادة رسم التوازنات الإقليمية

  • “التراجع النسبي” لقدرات إيران بعد الضربات الأخيرة يفتح المجال أمام إعادة تموضع سعودي–أميركي.
  • صعود أدوار تركيا وقطر ومصر يدفع الرياض للبحث عن ترتيبات دفاعية جديدة لتثبيت موقعها.
  • السعي الأميركي لإعادة إنتاج صيغة إقليمية تكون فيها السعودية قطباً سياسياً واقتصادياً محورياً.
ملف غزة ومستقبل النظام الفلسطيني

تُعامل واشنطن الرياض كطرف قادر على توفير الغطاء السياسي العربي لأي ترتيبات جديدة في غزة، سواء تعلق الأمر بإعادة الإعمار أو بإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية أو بتحديد مستقبل حماس.

الممرات البحرية وأمن الطاقة

يتزايد التركيز الأميركي على البحر الأحمر وباب المندب، باعتبارهما مساراً استراتيجياً للتجارة العالمية، ما يجعل الرياض شريكاً رئيسياً في أي ترتيبات دفاعية أو بحرية جديدة.

رابعاً: تناول العلاقات السعودية–الأميركية خلال الزيارة

تسعى الزيارة إلى تجديد بنية الشراكة بين الرياض وواشنطن، عبر ثلاث ركائز رئيسية:

شراكة دفاعية طويلة المدى،  ترتكز على التزامات أميركية بتعزيز قدرات المملكة الدفاعية، وربط أمن الخليج بمنظومة الردع الأميركية، بما يشمل مواجهة القدرات اليمنية.

شراكة اقتصادية–تكنولوجية بنيوية، تهدف إلى دمج السعودية في سلاسل التوريد التكنولوجية الأميركية، وتحويلها إلى مركز إقليمي للصناعات الرقمية والذكاء الاصطناعي.

إدارة التوازن مع موسكو وبكين، إذ تحاول الرياض الحفاظ على موقع متوازن في علاقتها مع روسيا والصين، بينما تستخدم واشنطن ملف “التهديدات الإقليمية” لإعادة جذب السعودية نحو محور النفوذ الأميركي.

خامساً: تقييم استباقي لنتائج الزيارة وتأثيراتها المحتملة

التأثير على المنطقة

تُظهر القراءة الاستباقية أن الزيارة مرشحة لتعميق مسار الشراكة الأمنية–الاقتصادية بين واشنطن والرياض، بما يعزز موقع الولايات المتحدة داخل هندسة الإقليم خلال مرحلة ما بعد حرب غزة، ويُرجّح أن يسهم هذا المسار في الدفع نحو تراجع محور المقاومة، في مقابل محاولة الدفع بالسعودية نحو لعب دور محوري في إعادة تشكيل النظام الإقليمي.

كما يُتوقع أن يعيد ملف التطبيع حضوره داخل النقاشات الاستراتيجية، باعتباره جزءاً من “الصفقة الدفاعية” التي تطرحها واشنطن، وإن كان الإعلان عنه غير مرجّح في المدى القريب بفعل البيئة الشعبية ومخرجات حرب غزة.

وفي المحصلة، قد تؤدي هذه الترتيبات إلى زيادة مستوى الاستقطاب الإقليمي في ظل التنافس المتصاعد بين القوى الصاعدة ولا سيما تركيا وقطر ومصر، مع بقاء ملف غزة بوصفه البوابة الأكثر حساسية لأي إعادة هندسة سياسية في المنطقة، سواء على مستوى السلطة الفلسطينية أو مستقبل المقاومة.

التأثير على اليمن

تشير البيانات المتاحة إلى أن تأثير الزيارة على اليمن سيظهر في مسارين مترابطين: مسار أمني بري–جوي يرتبط بالحدود الجنوبية للسعودية، ومسار بحري استراتيجي يتعلق بالبحر الأحمر والممرات الدولية. فمن جهة، تمنح الضمانات الدفاعية التي تسعى إليها الرياض هامشاً أكبر للاستمرار في سياسة ضبط الانخراط العسكري مع اليمن، ضمن تهدئة تهدف بالأساس إلى حماية مسار “رؤية 2030” وتقليص فرص التصعيد، باعتبار أن أي اضطراب حدودي سينعكس مباشرة على بيئة الاستثمار السعودية. ومن جهة أخرى، يُرجّح أن يُستثمر الملف اليمني في تبرير ترتيبات أمن البحر الأحمر تحت عنوان “حماية الملاحة الدولية”، لمحاولة منح واشنطن والرياض مجالاً أوسع لإعادة تشكيل المشهد الأمني البحري بطريقة تهدف للحد من قدرة صنعاء على بناء معادلات الردع الخاصة بها في الممرات الدولية.

وإلى جانب ذلك، قد يؤدي إدراج نطاق اليمن ضمن أي نطاق منظومة عسكرية سعودية–أميركية جديدة إلى توسيع مستويات الرقابة الاستخباراتية ومحاولة كبح الدور الإقليمي لصنعاء، خصوصاً في البيئتين البحرية والصاروخية.

الخاتمة:

تُظهر المؤشرات أن مقاربة الرياض وواشنطن للملف اليمني تأتي ضمن إطار “معادلة الأمن الإقليمي”، حيث يجري التعامل مع اليمن بوصفه ملفاً أمنياً ينبغي ضبطه واحتوائه، لا ساحة تُطرح فيها تسوية سياسية أو يُناقش فيها أصل العدوان وتداعياته.

وفي هذا السياق، تمثل الزيارة خطوة ضمن مسار أوسع لإعادة صياغة العلاقة السعودية–الأميركية على أسس دفاعية واقتصادية وإقليمية جديدة، مع تأثيرات مباشرة على موازين القوى في المنطقة وترتيبات البحر الأحمر ومستقبل التهدئة بين صنعاء والرياض.

وتفرض هذه التحولات على صنعاء استعداداً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً لمواجهة أي محاولات لإعادة تدويل الصراع أو تمرير ترتيبات أمنية تحت لافتة “حماية الملاحة”، بما يضمن حماية المجال الحيوي اليمني ومنع تحويل البحر الأحمر أو منظومات الدفاع المشتركة إلى أدوات ضغط تهدف للحد من قدرة اليمن على الدفاع عن سيادته وصياغة معادلات الردع الخاصة به.

 بهذه الخلفية، تبدو المرحلة المقبلة بحاجة إلى إدارة يمنية مدروسة تعي حجم التحولات وتستثمر نقاط القوة القائمة للحفاظ على التوازن الاستراتيجي في الإقليم.