معركة الحق والباطل: الاصطفاف بين الخير والشر
البيضاء نت | مقالات
بقلم / شاهر أحمد عمير
في لحظةٍ فارقة من تاريخ الأُمَّــة، تتجرّدُ فيها الحقائقُ من أقنعتها، وتسقط كُـلّ محاولات التمويه والتضليل، تبرز معركة اليوم بوصفها معركة وعي وموقف قبل أن تكون معركة سلاح.
إنها ليست حدثًا عابرًا يمكن احتواؤه بالتحليل السياسي التقليدي، ولا أزمة مرحلية تُحلّ بالتسويات، بل صراعٌ بنيوي يكشف جوهر المواجهة بين مشروعين متناقضين لا يمكن الجمع بينهما ولا التوفيق بين مساريهما، وهو ما ينسجم مع السنن الإلهية التي أكّـدت أن الصراع بين الحق والباطل سنة ماضية لا تتبدل.
من يقرأ المشهد بعمق يدرك أن ما يجري اليوم ليس صراع نفوذ أَو مصالح آنية، بل معركة وجود وهُـوية وقيم.
مشروعٌ قائم على الحق، يستمد شرعيته من العدالة الإلهية والإنسانية، ومن واجب نصرة المظلوم ورفض الطغيان، في مقابل مشروعٍ آخر يقوم على الاحتلال والاستباحة والهيمنة، ويعتمد في بقائه على القوة الغاشمة والتضليل الإعلامي والدعم الدولي اللامحدود.
وفي مثل هذا السياق، يصبح الحديث عن الحياد ضربًا من الوهم، لأن القرآن الكريم حسم هذه المسألة بوضوح حين قال: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾، فجعل مُجَـرّد الميل أَو الصمت شكلًا من أشكال التواطؤ مع الظلم.
لقد أثبتت الوقائع أن أخطر ما تواجهه الأُمَّــة اليوم ليس فقط آلة القتل الصهيونية، بل محاولة تفريغ الصراع من مضمونه الأخلاقي وتحويله إلى مسألة قابلة للتأجيل والمساومة.
هذا التفريغ يهدف إلى تعطيل الوعي الجمعي، ودفع الشعوب إلى موقع المتفرج بدل موقع الشاهد المسؤول، في وقتٍ يؤكّـد فيه القرآن أن الشهادة على الناس مسؤولية الأُمَّــة لا خيارًا ثانويًّا، كما في قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّـة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾.
وفي قلب هذا المشهد المتشابك، تبرز القيادة القرآنية الواعية التي أعادت ضبط بوصلة الصراع، وربطت الموقف السياسي بجذوره الإيمانية والأخلاقية، وفي مقدمة ذلك السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله، الذي مثّل حضوره القيادي عامل توازنٍ استراتيجي في مرحلة من أدق مراحل تاريخ الأُمَّــة.
لقد قدّم السيد القائد قراءة شاملة لطبيعة المعركة، بوصفها مواجهة مصيرية بين مشروع الهيمنة والاستكبار ومشروع التحرّر والكرامة، مؤكّـدًا أن الاصطفاف مع الحق ليس ترفًا سياسيًّا، بل مسؤولية شرعية وواجبًا أخلاقيًّا، انسجاما مع قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾.
إن الخطاب الذي قدّمه هذا النهج القيادي لم يكن خطاب تعبئة عاطفية، بل تحليلًا واقعيًّا عميقًا كشف أبعاد الصراع وحدّد معسكراته بوضوح، وأسقط محاولات التزييف التي سعت إلى خلط الأوراق أَو تمييع المواقف.
وقد أعاد هذا الخطاب التذكير بحقيقة قرآنية حاسمة تقول: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، لتؤكّـد أن النصر مرتبط بصدق الموقف وثباته قبل أي اعتبار آخر.
ومن الزاوية الاستراتيجية، تؤكّـد مجريات الأحداث فشل الرهانات على التسويات الشكلية والوساطات العقيمة.
فقد أثبتت التجربة أن العدوّ لا يفهم إلا لغة القوة، وأن أي خطاب لا يستند إلى موقف صلب يتحول إلى غطاءٍ مجاني لاستمرار الجرائم، وهو ما يتقاطع مع التحذير القرآني من الاستسلام لواقع الظلم، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
إن حصر الخيارات في طريقين، طريق الخير وطريق الشر، ليس تبسيطًا ساذجًا، بل توصيف دقيق لحالة الاستقطاب الأخلاقي التي فرضها الواقع.
طريق الخير هو طريق الانحياز الواضح للحق والثبات عليه مهما كانت الكلفة، وطريق الشر هو طريق التبرير والتطبيع والسكوت مهما تنوّعت الذرائع، وهو ما يجسده قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
تصبح معركة اليوم امتحانًا تاريخيًّا لصدق الانتماء، وميزانًا يكشف حقيقة المواقف بعيدًا عن الأقنعة.
فالتاريخ لا يكتب أسماء المتردّدين، ولا يمنح المتخاذلين شرف الأعذار، بل يسجل بوضوح من وقف مع الحق، ومن اختار الاصطفاف مع الباطل، أَو آثر الصمت حين كان الصمت خيانة، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.