الاستباحة الشاملة للأمة واغتيال الهوية .. مواجهة مفتوحة مع المشروع الصهيوأمريكي
البيضاء نت | تقرير طارق الحمامي
في كلمةٍ اتسمت بالوضوح والجرأة، ووضعَت النقاط على الحروف في واحدة من أخطر مراحل الصراع التي تمرّ بها الأمة، قدّم السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، في مناسبة جمعة رجب 1447هـ، تشخيصاً عميقاً لجذور الصراع مع العدو، كاشفاً أبعاد الحرب الحقيقية التي لم تعد تقتصر على الميدان العسكري، بل تستهدف العقيدة والوعي والهوية والانتماء الإيماني، كلمةٌ كشفت حجم الاختراق الثقافي والتعليمي الذي تعرّضت له الأنظمة العربية، وعرّت مشاريع التطبيع والهيمنة الصهيوأمريكية، وسلّطت الضوء على معادلة الاستباحة التي يُراد فرضها على شعوب المنطقة، وفي قلبها فلسطين وغزة، إنها كلمة مواجهة وكشف ووعي، تعيد رسم معالم الصراع بوصفه معركة وجود وكرامة، لا تقبل الحياد ولا التزييف.
اختطاف الهوية وتغريب المناهج التعليمية
من أبرز محاور الكلمة تركيز السيد القائد على الخلل الجذري في المنهج الثقافي والتعليمي لدى عدد من الأنظمة العربية، وفي مقدمتها النظام السعودي، حيث أشار إلى ارتباط هذه الأنظمة بالمنهج الصهيوني والغربي، وتحكيم المعايير الأمريكية والإسرائيلية فوق القرآن الكريم، ويحمل هذا الطرح دلالة عميقة على أن المعركة لم تعد محصورة في السياسة الخارجية، بل امتدت إلى العقل الجمعي للأمة، من خلال، حذف آيات قرآنية من المناهج الدراسية، وتحريف المعاني الإسلامية، وتغييب مفاهيم محورية ورئيسية في الهوية الإيمانية، مثل الجهاد والموالاة لأولياء الله ومعاداة قوى الطاغوت، ويرى السيد القائد أن هذا المسار يمثّل ضربة قاصمة للانتماء الإيماني، لأنه ينقل الأمة من موقع الاستقلال القيمي إلى موقع التبعية الثقافية الكاملة.
معركة الوعي ومعادلة الاستباحة
أكد السيد القائد على معادلة الاستباحة، وهي أخطر ما يسعى إليه العدو الصهيوني وحلفاؤه، أي تحويل قتل الشعوب العربية والمسلمة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، إلى أمر طبيعي ومقبول، بلا أي رد فعل، وأشار إلى أن قوى النفاق في الأمة تلعب دور الأداة التنفيذية لهذا المشروع، ويتم توجيه اللوم والتجريم لكل من يعترض أو يرفض هذه المعادلة، والمطلوب هو كسر إرادة الشعوب وتجريدها من حقها في الرفض والمقاومة، وهنا يبرز البعد الأخلاقي والديني للخطاب، حيث اعتبر السيد القائد أن القبول بالاستباحة ليس موقفاً سياسياً خاطئاً فحسب، بل انحدار أخلاقي وإيماني خطير.
فلسطين في قلب المعركة
احتلت القضية الفلسطينية حيزاً مركزياً في الكلمة، حيث قدّم السيد القائد توصيفاً دقيقاً لحالة الإجرام الصهيوني المستمر، من قتل يومي لأبناء الشعب الفلسطيني، واختطاف وتعذيب ممنهج في السجون، وانتهاك مستمر لحرمة المسجد الأقصى، وتهجير نشط في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونهب شامل للثروات الفلسطينية.
ولفت السيد القائد إلى ممارسات إجرامية غير مسبوقة، كالسعي لإحاطة السجون ببرك التماسيح، في تعبير عن تفنن صهيوني في الإجرام والطغيان، يعكس طبيعة هذا العدو الذي لا تحكمه أي قيم إنسانية.
التطبيع الاقتصادي ونهب الثروات
من أخطر ما تناولته كلمة السيد القائد كشفه لوجه آخر من وجوه التطبيع، وهو التطبيع الاقتصادي، حيث أشار إلى تحوّل بعض الأنظمة العربية إلى زبائن يشترون ثروات فلسطينية منهوبة، وإقدام النظام المصري على صفقة ضخمة لشراء الغاز المسروق من فلسطين، معتبراً ذلك ذنباً دينياً وأخلاقياً، وخطراً على الأمن القومي المصري، وكذلك تحكم العدو الإسرائيلي بالمياه في الأردن، وابتزازه للشعب الأردني في حقه الطبيعي بالمياه، هذه المعطيات تبرز كيف يسعى العدو للهيمنة والاستباحة الشاملة، ليس فقط عبر السلاح، بل عبر الاقتصاد والطاقة والمياه.
السعودية والارتباط التقني بالعدو
أشار السيد القائد إلى ارتباط النظام السعودي بالعدو الإسرائيلي في مجالات حساسة مثل الكابلات والاتصالات، في دلالة على مستوى خطير من الارتهان التقني والأمني، ما يفتح الباب أمام الاختراق والسيطرة، ويعكس حجم الثقة الممنوحة للعدو على حساب الأمن القومي العربي.
غزة نموذج للجريمة المستمرة
أكد السيد القائد أن العدو الإسرائيلي لا يلتزم بأي استحقاق إنساني في اتفاقات وقف إطلاق النار، حيث لا يزال مستمراً في منع الغذاء والدواء، وإبقاء سكان غزة في حالة جوع دائم، وإغلاق المعابر، ومنع خروج المرضى والجرحى، ومنع إدخال حتى والخيام، وأشار إلى وجود توجه إقليمي ودولي لجعل ما يجري في غزة أمراً طبيعياً ومقبولاً، تمهيداً لفرض التطبيع الشامل.
أمريكا .. نموذج الهيمنة والنهب
قدم السيد القائد دليلاً يؤكد للعالم أن الخضوع لأمريكا لا يحمي الدول ، من خلال ما تواجهه فنزويلا، التي جعلتها هدفاً للنهب والسيطرة، ونهب ثلث إنتاج النفط الفنزويلي، والسعي للسيطرة على أكبر احتياطي نفطي في العالم، من خلال استخدام شعارات زائفة مثل مكافحة المخدرات، كذريعة للتدخل والهيمنة، رغم كون أمريكا أكبر المتاجرين بالمخدرات.
ويؤكد هذا الطرح أن المشروع الأمريكي هو مشروع نهب واستعباد عالمي، لا علاقة له بالديمقراطية أو حقوق الإنسان.
ختاماً
وجه السيد القائد شواهد خطيرة جداً في سياق معركة مصيرية تخوضها الأمة على مستوى الوعي والهوية والسيادة، وقد نجح الخطاب في ربط القضايا المحلية بالإطار العالمي للصراع، وكشف أدوات العدو وأساليبه الخطيرة جداً، وتحميل الأنظمة المطبّعة مسؤولية دينية وأخلاقية وتاريخية، وكذلك إعادة الاعتبار لمفهوم الجهاد بوصفه دفاعاً مشروعاً عن الأمة في مواجهة الاستهداف الشامل.
إنها كلمة تؤسس لمرحلة وعي جديدة، وتضع الأمة أمام سؤال مصيري، إما الاستسلام لمعادلة الاستباحة، أو استعادة موقعها الطبيعي أمةً حرةً ذات هوية وسيادة وإيمان.