كمين جباليا المؤلم يُسقط نخبة الاحتلال ويفضح هشاشة السيطرة الإسرائيلية

03 حزيران/يونيو 2025

البيضاء نت  | تقارير |

 

نفذت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الاثنين، 2 يونيو 2025، كمينًا محكمًا استهدف فيه قوة للعدو الاسرائيلي شرق مخيم جباليا شمالي قطاع غزة. أسفر الكمين عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة اثنين آخرين، وفقًا لتقارير إسرائيلية.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الجنود الثلاثة  قتلوا وأصيب 11، حالة اثنين منهم خطيرة، وذلك إثر استهداف عربة عسكرية صهيونية من نوع “همر” بصاروخ مضاد للدروع بمنطقة جباليا شمالي قطاع غزة.

وأضافت أن 3 مروحيات إسرائيلية حاولت إجلاء الجنود، وتعرضت إحداها لصاروخ مضاد للدروع،  وأوضحت أن العملية في جباليا نجمت عن “كمين مركب وصعب”، مشيرة إلى أن قتلى العدو من اللواء التاسع.

يُعد هذا الكمين جزءًا من سلسلة عمليات نوعية نفذتها كتائب القسام في جباليا، حيث استخدمت تكتيكات متقدمة مثل تفخيخ المباني واستهداف الآليات العسكرية، ما ألحق خسائر فادحة في صفوف قوات العدو الإسرائيلي.

أهمية العملية:

رغم أن جيش العدو الإسرائيلي أعلن عدة مرات عن “تفكيك بنية حماس” في شمال غزة، إلا أن هذا الكمين يكشف العكس تمامًا، فتنفيذ كمين بهذا التعقيد يتطلب بيئة مناسبة للمراقبة، الإعداد، واستغلال الفرص، حتى التنفيذ والانسحاب، ما يعني أن المقاومة في جباليا لا تزال تملك زمام المبادرة، وقادرة على التخطيط، والتنفيذ المعقد، كما أن ذلك يستلزم بطبيعة الحال خطوط إمداد فعالة واتصالاً مستمرا، ومخابئ نشطة في جباليا.

إن اختيار التوقيت والمكان بعناية، واستهداف مركبة عسكرية بعد لحظة وصولها إلى المكان المحدد للتنفيذ، يعني أن هناك مراقبة دقيقة ومسحاً ميدانياً مسبقا، واتخاذ مواقع من قبل عناصر المجاهدين، وهذا يتطلب تنسيقا دقيقا بين وحدات الاستطلاع، والهندسة وضد الدروع، وكذلك وحدة الاشتباك البرية، وهو يدل على بقاء هيكلية عملياتية للمقاومة، رغم الشهور الطويلة من الهجمات، ورغم ما تعانيه جباليا من التجويع، وقلة الطعام، وهو التحدي الأبرز الذي يواجه المجاهدين في جباليا وغيرها.

وفي سياق متصل أيضا فهي تسلط الضوء على الفشل الأمني والاستخباراتي لكيان العدو، حيث أن المفترض أن الجيش الإسرائيلي يملك صورًا جوية، مجسات أرضية وطائرات استطلاع متقدمة، قبل تنفيذ أي توغل في جباليا، وهو بالفعل ما يقوم به كل مرة يحاول من خلالها التسلل إلى المنقطة، ومع ذلك وقعت قواته في فخ محكم ومركب، ما يبرز خللًا استخباراتيًا مستمرًا في التعامل مع جباليا.

بالنسبة للكمين فمن الواضح أنه لم يكن عشوائيًا، بل تم بإتقان يدل على تطور في أدوات وأساليب المقاومة، كما يؤكد استخدامُ صواريخ مضادة للدروع أن المقاومة ما زالت تملك ترسانة نوعية، ولم تُستنزف كما تدعي الرواية الصهيونية.

المحاولة التاسعة للسيطرة على جباليا:

من جهة أخرى فإن العودة المتكررة لقوات العدو إلى نفس المنطقة (9 مرات) يُعد بحد ذاته اعترافًا بفشل الجولات السابقة في تمشيط جباليا أو السيطرة عليها بشكل دائم، أو حتى مستقر لفترة مؤقة.

وهذا بدوره يضرب الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي، فضرب جنود العدو داخل ناقلة مدرعة أو أثناء التمركز في منطقة يُفترض أنها “مؤمّنة” يخلق شعورًا باللاجدوى لدى الجنود، وقلقًا لدى أهاليهم. وإذا أضيف إليها صاروخ يمنع مروحيات الإخلاء من الوصول والاشتباك من نقطة صفر، في منطقة قصفت ودمرت ثمان مرات سابقة، وتخضع لمدة أكثر من شهرين من التجويع ومنمع الإمدادات، هذا يشكل ضربة قاسية لكل مخططات العدو، ويجعله يعيد النظر في المغامرات القادمة سواء في جباليا أو غيرها من مناطق غزة. مثل الشجاعية أو رفح.

 

لماذا جباليا:

 

جباليا ليست مجرد بقعة جغرافية من شمال غزة، بل هي ميدان صراع مركزي في الحرب بين المقاومة الفلسطينية وجيش العدو الإسرائيلي، وهي مكان انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، لذا لها قيمة رمزية كبيرة. ولها أبعاد عسكرية، أمنية، وإنسانية.

وكلها تعكس الاهتمام الإسرائيلي بالمنطقة في شمال قطاع غزة كبوابة حيوية باتجاه مدينة غزة، ولطالما كانت السيطرة على جباليا تعني تحقيق اختراق في العمق السكاني للمقاومة. حيث كانت قبل التدمير في هذه الحرب، ونزوح السكان، كانت من أكثر المناطق ازدحامًا بالسكان، وهي خزان بشري وعسكري للمقاومة، ينتمي إليها عدد كبير من المجاهدين والمقاومين، سواء من حماس أو الجهاد أو كتائب أخرى.

ولهذا كان جيش العدو يصنف جباليا أنها مركز تهديد دائم، وتشير تقارير إلى أن جباليا تحوي شبكة أنفاق وتحصينات لنقل الأسلحة والمجاهدين، وبعض تلك الأنفاق ربما تكون متصلة بالحدود وأماكن استراتيجية داخل القطاع.

وطوال معركة طوفان الأقصى، نفذت المقاومة عشرات العمليات في جباليا ضد العدو الإسرائيلي، تراوحت هذه العمليات بين كمائن محكمة، واستهداف مباشر للدبابات والآليات، واشتباكات من مسافة صفر، وتفجيرات منازل مفخخة.

على سبيل المثال، في 10 اكتوبر 2024، أعلنت كتائب القسام عن إيقاع سرية مشاة ميكانيكي تابعة لجيش الاحتلال، مكونة من 12 مركبة عسكرية وشاحنة محمّلة بالجنود في كمين معد مسبقاً قرب معسكر جباليا، وتدمير دبابتي ميركافا.

وفي 18 من نفس الشهر، بثت كتائب القسام، مشاهد من استدراج مقاتليها قوة صهونية خاصة لأحد المنازل المفخخة غربي مخيم جباليا بشمال قطاع غزة.

الكمين في سياق المفاوضات لوقف النار:

 

عودة العدو الإسرائيلي للتصعيد في جباليا وغيرها من مناطق شمال القطاع، هي جزء من رهان الكيان على إنهاك المقاومة وتفكيك بنيتها تمامًا في شمال غزة، خصوصًا جباليا وبيت حانون. ومهمة الكمين الأخير هي بعث رسالة مباشرة: المقاومة ما زالت قادرة على إلحاق خسائر دقيقة، ما يعني أن “الحسم العسكري الكامل” لم ولن يتحقق.

هذا يُحرج “إسرائيل” أمام الوسطاء والداعمين على حد سواء (الولايات المتحدة، قطر، مصر) الذين يبحثون عن مخارج سياسية ويضغطون نحو “تهدئة مقابل ضمانات”. ويضعف موقف الكيان في تلك المفاوضات، فسقوط قتلى صهاينة له ارتداده داخل حكومة اليكان ومجلس الحرب والرأي العام لدى المغتصبين وأهالي الجنود اليهود، كما لدى الداعم الأمريكي والغربي بشكل عام.

الكمين يظهر أن المقاومة باقية في الميدان، وأن أوهام استئصالها غير قابلة للتحقق، وسبتقى مجرد اوهام،  وبالتالي فالمقاومة طرف موجود فعليًا، لا يمكن تجاهله في التسويات القادمة، ولا متسقبل فلسطين أو القطاع، وفي حال استئناف المفاوضات لوقف إطلاق النار أو صفقة التبادل، سيكون لهذا الكمين أثر كبير على ميزان التفاوض؛ إذ يرفع أوراق القوة للمقاومة الفلسطينية