حروب أمريكا تتجه شرقاً

البيضاء نت | مقالات

 

 

 

بقلم / أحلام الصوفي

 

 

عندما نتأمل في واقع السياسة الأمريكية، نلحظ بوضوح أنها سياسة توسعية تسعى لفرض الهيمنة العالمية، تجسيداً للنظرية الرأسمالية القائمة على جمع الثروات واحتكار الأسواق. هذا التوجه لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لعقيدة أمريكية ترى العالم كسوق مفتوح يجب إخضاعه لمصالحها.

 

ومع تزايد نهوض القوى الشرقية، وفي مقدمتها روسيا والصين، بدأت الولايات المتحدة تشعر بالخطر الحقيقي على نفوذها الأحادي. ومن هنا، تحركت واشنطن لتطويق تلك القوى من خلال صناعة الصراعات وخلق الأزمات.

 

فالحرب في أوكرانيا ليست مجرد دعم لحليف في وجه خصم، بل هي مشروع استنزاف ممنهج لروسيا. وفي الوقت نفسه، يتم دفع الهند نحو التوتر مع باكستان، في رسالة مبطنة للصين بأن الحصار الجيوسياسي بدأ يكتمل.

 

أما الصراع مع إيران، وخاصة عبر الدعم المطلق لإسرائيل، فهو في بعده العميق تمهيد لإعادة التموضع الأمريكي في منطقة غرب آسيا، تمهيداً للتوسع شرقاً. فإذا ما نجحت أمريكا في تطويع إيران، فإن وجهتها التالية قد تكون باكستان وتركيا، لتكمل دائرة الحصار على الصين من الجنوب والغرب.

 

إن الأبعاد السياسية والاقتصادية لهذا التوجه ليست خافية، إذ تسعى الولايات المتحدة للحد من النشاط الاقتصادي الصيني، وفرض الطوق على طريق الحرير الجديد، والسيطرة على الممرات البحرية والبرية الحيوية في آسيا.

 

الحروب الأمريكية إذن، وإن كانت تبدو متفرقة، إلا أنها في حقيقتها استراتيجية شاملة لإعادة رسم خارطة السيطرة والنفوذ، وتثبيت القطب الأوحد في عالم بدأ يتغير.

 

وفي هذا السياق، يتّضح أن الولايات المتحدة لا تخوض هذه الحروب بشكل مباشر في معظم الأحيان، بل تعتمد على أدواتها الإقليمية ووكلائها في مناطق التوتر، سواء في أوروبا الشرقية أو غرب آسيا. فهي تسلّح، وتموّل، وتحشد إعلاميًا، لكنها تتجنب التورط المباشر عندما تكون الكلفة عالية، مفضلةً أسلوب الحروب بالوكالة لإضعاف الخصوم دون أن تخسر جنودها أو شعبيتها الداخلية.

 

التصعيد مع إيران، مثلًا، ليس مجرد نزاع على برنامج نووي، بل هو محاولة لضرب قلب محور المقاومة، وتحجيم نفوذ طهران في العراق ولبنان كما احجمتها في سوريا. وإذا ما تحقق ذلك الهدف، فإن واشنطن ستكون قد فتحت الممر الآمن نحو الحدود الغربية للصين.

 

كما أن إدخال تركيا في حسابات الصراع، إما عبر دفعها لمواجهات داخلية أو من خلال الضغط عليها في ملفات إقليمية، يأتي في إطار خطة أمريكية لترويض قوى الشرق الصاعدة أو تفكيك وحدتها الداخلية.

 

أما باكستان، فهي في عين العاصفة، خصوصًا مع دورها الجيوسياسي الهام وجوارها لكلٍّ من إيران، الصين، والهند. الولايات المتحدة تدرك أهمية هذه النقطة، وتسعى لإحداث اختراقات أمنية وسياسية في هذا البلد الحساس، حتى يكون ورقة ضغط على بكين في أي مواجهة مقبلة.

 

في المحصّلة، تتحرك واشنطن في سباق مع الزمن. فصعود الصين كقوة اقتصادية، وعودة روسيا كمنافس عسكري، وبروز تحالفات عابرة للقارات خارج الفلك الأمريكي، كلها مؤشرات على أن الهيمنة الغربية باتت مهددة. من هنا، فإن الحروب الأمريكية “الذكية” تتجه شرقاً، حيث يكمن التحدي، وحيث يُرسم مستقبل العالم الجديد.