ممنوع المرور.. الإغراق مصير حتمي للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي
البيضاء نت | تقرير وديع العبسي
أن يتفاجأ العدو الإسرائيلي بمشهد إغراق السفينة (ماجيك سيز) وبعدها (اتيرنتي سي)، فهذا دليل على أنه كيان عصيّ على الفهم والاستيعاب، فالمحددات التي استند عليها اليمن لقيامه بدوره الإسنادي للأشقاء في فلسطين لم تكن فائض ترف، وإنما استجابة ونجدة لمن استنجد بالعالم ولم يجد من يجيبه، ولأن قرون العدو قد بلغت حدا تصور فيه أنه بات صاحب الكلمة في المنطقة، وله تنفيذ ما يقرره، وصاحب المساحة المفتوحة من الاعتبار في العالم، وله أن يقفز فوق المواثيق، ويدوس على القرارات، دون أن يكون بمقدور أحد محاسبته، فإنه يبدو طبيعيا أن يستمر في غيّه فيعيث في الأرض الفساد والإفساد.
وجاء قرار فرض الحصار البحري على دخول السفن إلى موانئ فلسطين المحتلة في هذا السياق، خصوصا وأن العدوان على غزة قد بلغ حداً يشهد بالظلم العالمي الجماعي بحق الفلسطينيين، وأصبح وكأنه شيك على بياض، ولم يعد هناك من ردود أفعال أو ضغوط، باستثناء التعليق على الأحداث اليومية. أصبح الجميع في مدرجات المشاهدة باستثناء بعض الأصوات الحرة التي لا تزال تجوب شوارع أوروبا وأمريكا رفضا لهذا الانفلات الشيطاني الذي عليه أعداء الإنسانية أمريكا و”إسرائيل”.
فرض القوات المسلحة الحصار على العدو، أمر ثابت يغرس السهم في قلب هذه السلبية الدولية، ويقوم بما يتحتم فعله عن شعور بالمسؤولية تجاه المستضعفين، والقرار اليمني، لم يتم إصداره والعمل به عبثا، كما لم يكن إصداره منفصلا عن ما يعتمل في الشارع اليمني من حالة رفض عنيفة للإجرام الصهيوني في غزة، وتأييد لعمليات القوات المسلحة من أجل رفع الظلم عن الفلسطينيين، لذلك فإن التعامل معه كتحرك آني وعابر، حتما سيكون له تداعيات ليست في صالح المنتهكين للقرار. القرار سيادي ولا يعني القوات المسلحة اليمنية وحسب وإنما كل اليمنيين.
بيانات الاستنكار سقف التحرك الدولي
حذرت القوات المسلحة غير مرة بأن تجاوز القرار وكسر فرض الحصار على الموانئ المحتلة لن يكون مسموحا بأي حال، طالما استمر العدوان على غزة. الكيان وأمريكا والجهة المالكة للسفن المنتهكة للقرار، هُم فقط من يتحملون مسؤولية ارتكاب جرم المخالفة كحال (ماجيك سيز)، (اترنيتي سي) وقبل ذلك (روبيمار) التي انتهى بها التحدي -جميعا- إلى قاع البحر. وأما التعبير عن الاستياء والاستنكار مما حدث، فما هو إلا دلالة على أنهم لم يستوعبوا هذا الإجراء.
خلال أكثر من عام ونصف العام كان العالم يتابع ويعي ما يرتكبه الكيان الصهيوني في غزة، ويلمس عدوانية تحركات أمريكا وبريطانيا ثم ألمانيا وفرنسا وباقي الأتباع في تشكيل الحاميات السياسية للعدو، والتحالفات البحرية وأشكال وحجم الدعم له، وفي عين الوقت اتفق العالم بأن ممارسات العدو تمثّل خرقا فاضحا وسافرا لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وهو ما ليس بحاجة لإثبات، وشواهده وقائع الإبادة الجماعية في القطاع، واستخدام التجويع والتعطيش كسلاح قتل، ثم تأكيد حالة التحدي للمجتمع الدولي بقيام ممثل الكيان -وتحت سقف الأمم المتحدة- بتمزيق الميثاق الأممي أمام الجميع. رغم كل ذلك فإن رد الفعل الاستنكاري على هذه الغطرسة الصهيونية لم يتجاوز الشجب والتنديد، وفي أحسن الأحوال “التوصية” بمقاطعة العدو، وإيقاف صفقات أسلحة كان مخططا بيعها له. عدا ذلك كانت أمريكا والتابعة البريطانية، عربات إسعاف للعدو تشحنان إليه ما يحتاجه من السلاح لمواصلة قتل الفلسطينيين.
اليمن بين العالم والجوقة الصهيونية
وفيما كان الموقف العربي والإسلامي في حال لا تحسد عليه أمتنا، تحرك اليمن منفردا بما أوتي من إمكانات وقدرات غير عابئ بفارق التسليح والدعم والتكالب الصهيوني، ومعوِّلا على الله وثبات قوة الإيمان بإنسانية وأخلاقية الموقف، تحرك انتصارا للمستضعفين الفلسطينيين، فكان لموقفه المفاجئ أن حرّك الركود العالمي لجهة شدّ الأنظار لإعادة النظر في وضع ما يمارس بحق الإنسانية في فلسطين المحتلة من انتهاكات جسيمه بأشكال من الجرائم لم يشهد التاريخ لها مثيلا. ونجح اليمن في مد المقاومة الفلسطينية بجرعة من الأمل والمعنويات، خلاصتها “لستم وحدكم”، كما نجح في لفت أنظار العالم إلى أن ما يمكنه فعله أكثر من المشاهدة وإصدار البيانات.
هنا شهد العالم فرزا استثنائيا بين من أيد التحرك اليمني ومن اصطف بلا أدني حساب، إلا حساب الخوف من الجوقة الأمريكية والإسرائيلية. إنما كان الأهم والأبرز في الاتجاهين تأكيد قانونية الفعل اليمني في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني بالإسناد العملي، ولا قانونية لحرب الإبادة الصهيونية من جهة والتحشيد العدواني الأمريكي ضد اليمن. يؤكد خبراء القانون بـ”أن الشعب الفلسطيني هو مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”، وزاد من شرعية فعل القوات اليمنية، إعلانها الصريح بأن عمليات الإسناد انطلقت من أجل وقف العدوان والحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة، ولن تتوقف إلا بتحقيق هذا الهدف، ما أعطى هذا التحرك بُعدا أخلاقيا عرّى زيف العناوين الدعائية عن الحقوق الإنسانية وحق تقرير المصير.
وأثّر ذلك بشكل واضح على تزحزح المواقف الدولية باستثناء المجموعة الصهيونية. يؤكد المحامي والباحث، عبد الرحمن عبد الله أن جميع “عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر شرعية وقانونية؛ لأنها تهدف لوقف ولمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في عموم الأراضي الفلسطينية وفي غزة خاصة”.
فرز أخلاقي يُعلى قيمة اليمن
عقب الانسحاب الأمريكي من مواجهة البحر الأحمر، كان الطرح اليمني واضحا: إيقاف المواجهة مع أمريكا لا علاقة له بالعمليات ضد العدو الصهيوني، وهو ما تحرك الأمريكي منذ البداية من أجل إيقافها، ثم أذعن ورضخ بعد أسابيع للإرادة اليمنية، بعد القناعة باستحالة إجبار اليمنيين على المساومة بثوابتهم.
وفي كل الأحوال واصلت القوات اليمنية مسارها الدفاعي عن القيم الإنسانية بتأديب الكيان الصهيوني وإجباره على ترك أوهامه القائمة على إبادة الشعب الفلسطيني واستباحة المنطقة، وهو العمل الذي تقوم به القوات المسلحة بالنيابة عن دول المنطقة والأصوات الحرة في العالم.
وخلال محاولات أمريكا وبريطانيا ردع اليمن بتشكيل التحالفات البحرية وابتداع أشكال من الحصار والتضييق على اليمنيين، ظهر أن القلة فقط هي من بقيت في الصف الأمريكي البريطاني، فيما الغالبية العظمى وإن لم تعلن الوقوف مع اليمن إلا أنها كانت على قناعة بأن إجراءات القوات المسلحة اليمنية صحيحة وتدافع عن القيم التي تسفكها أمريكا و”إسرائيل” بالاستناد على القدرات العسكرية أو الاقتصادية.
وخلال فترة ما بعد انسحاب أمريكا من المواجهة شهد البحر الأحمر هدوءاً نسبيا، ولم تعد القوات اليمنية تجد في البحر ما تصطاده من السفن المخالفة لقرار الحظر، لتعود إلى هذه المهمة مرة أخرى مع تحرك السفينة (ماجيك سيز) بلا أدنى احتكام إلى عقل، وإلا لما غامرت الشركة المالكة لها لتجاوز القرار اليمني ثم تجاهل النداءات والتحذيرات التي أطلقتها البحرية اليمنية لطاقم السفينة، فجاءت النتيجة بما لم تكن تشتهيه (ماجيك) حيث تم استهدافها بشكل حازم، لتغرق في مكانها لتكون آية للآخرين.
حيثيات تُقزم من الإجراءات الأمريكية
لا يستند تعبير البعض عن رفضه لهذا الفعل إلى أي حجة قانونية، وإنما هو رفض دول الاستكبار أن يظهر اليمن بهذه الجرأة وهذا الاقتدار، وهو الذي يأتي في سياق المؤامرة القديمة والمستمرة بأن لا يكون لأي عربي ومسلم أن يخرج من عباءة التبعية أو أن يتفرّد بقراره ويمتلك القدرات والإمكانات، بخاصة على المستوى العسكري والاقتصادي.
ولا شيء يعطي الكيان الإسرائيلي أن يمارس أبشع الجرائم بحق شعب هو صاحب الأرض، كما لا يحق بأي حال لأمريكا أن تقطع آلاف الكيلو مترات من أراضي الهنود الحُمر التي تحتلها، لتغزو المنطقة وتقصف من يقفون ضد العربدة الصهيونية، لأجل كل ذلك تَبيّن للعالم أن القرار اليمني قد امتلك كل الحيثيات التي تُقزم الإجراءات الأمريكية بما فيها شن عمليات إرهابية ضد اليمن.
كما أن التعاطي باستعلاء مع إعلان اليمن وقوفه عمليا مع الشعب الفلسطيني، ينطلق بطبيعته من ما هو راسخ عن ضعف الأمة وعدم قدرتها على تجاوز الخطوط المحددة لها من قبل دول الإمبريالية، فظهور اليمن بهذا الشكل من التحدي للقوة العالمية يربك مسار المخطط الاستعماري الذي يريد تصدير الكيان الصهيوني كعسكري لهذه للقوى الإمبريالية، من أجل حماية مصالحها ونهب خيرات الشعوب. ولأن الإسناد اليمني لا يرتكز على حسابات مصالح، فإنه أمْر ثابت لن تغير منه بيانات وتشنجات صادرة من البيت الأبيض أو الكيان الإسرائيلي، وما حدث الأسبوع الماضي من استهداف لسفينة (ماجيك) أو (اتيرنتي) لن يكون الأخير طالما حاولت بعض الشركات تجاهل أو كسر قرار حظر الملاحة على الكيان الصهيوني، حتى إيقاف العدوان ورفع الحصار عن غزة.