في حضرة الدم المقدس

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / أحلام الصوفي

حين تحل الذكرى السنوية للشهيد، لا تكون مناسبة تُمرر مرور الكرام، بل لحظة تأمل عميقة في معنى الوطن، ونداء صارخ بأن وراء كل لحظة أمان نعيشها دماء سالت، وحياة فُقدت طوعًا من أجل هذا الوطن.

في حضرة الشهداء، لا نتحدث عن فقد فقط، بل عن حضور حي متجدد. هم الذين سلكوا درب الموت بإرادة لا تلين، لأنهم عرفوا أن الحياة الكريمة ليست هدية تُعطى، بل حق يُنتزع بالتضحيات، وأن الوطن لا يُحفظ بالشعارات، بل بالدماء الصادقة والقلوب المخلصة.

الذكرى السنوية للشهيد ليست مناسبة تهدى أو تُنسى، بل توقيت روحي يوقظ فينا مشاعر الانتماء الحقيقي، ويعيدنا إلى جوهر الهوية التي لا تقبل التبديل، مهما حاول الطامعون المساس بها أو فرض أيديهم على ثرواتها.

هؤلاء الشهداء لم يقدموا أرواحهم في لحظة ضعف أو تردد، بل عن اقتناع تام بالمصير. اختاروا طريق الكفاح لأنهم آمنوا أن المستقبل يُبنى بالتضحية، لا بالانتظار. هم أبناء هذا الوطن، زرعوا حياتهم في تربة العزة، ورحلوا تاركين إرثًا من الشرف لا يمحى.

بفضل دمائهم، ما زالت الأرض تنبض بالحياة، وما زال العدو في خوف ورهبة، وما زلنا نحن نواجه التحديات بصمود وكرامة.

في هذه الذكرى، نرسل تحية احترام وتقدير لأرواحهم الطاهرة، ونعاهدهم على المضي قدماً في دربهم، متمسكين بالقيم التي ضحوا من أجلها.

فلهم المجدُ في كل صباحٍ تشرق فيه شمس الحرية،
ولهم السلامُ في كل مساءٍ يهمس فيه الوطن بأسمائهم.
إنهم من رسموا للمستقبل ملامحه بالدم، لا بالحبر،
ومن صنعوا للوطن هيبته في زمن حاولت فيه قوى الطغيان أن تقتل فيه الكبرياء.

نعم، لقد غابوا بأجسادهم، لكنهم ما زالوا أحياء في قلوبنا، في المواقف الصلبة، في كل صرخة حرّ، في كل نفسٍ لا يرضى الهوان.
هؤلاء الشهداء هم البوصلة التي تقودنا في زمن الضباب، وهم الجدار الصلب الذي نستند إليه حين توشك الخطى أن تتيه.

نكتب عنهم لا من باب الحنين، بل من باب الالتزام،
ومن باب أن الوفاء لمن ضحّى لا يكون بالشعارات، بل بالفعل والسير في ذات الدرب.
فهم لم ينتظروا الظروف لتتغير، بل كسروا جمودها وفرضوا واقعاً من دم وكرامة.

في حضرة الدم المقدس، نصمت إجلالاً، ثم نكتب بوعي ومسؤولية،
علّ كلماتنا تكون امتدادًا لنضالهم، وصدىً يليق بعظمتهم.
وفي كل ذكرى، نُجدّد العهد لهم، بأننا هنا، على الطريق ذاته،
لا ننكسر، لا نتراجع، ولا نُسلِّم الراية إلا مرفوعة.