عِنوانُ المجدِ وسيفُ القَدَر: اللواء يوسف المداني
البيضاء نت | مقالات
بقلم / محمد فضل العزي
ثَمَّةَ رجالٌ لا تُقاسُ أعمارُهم بالسنين، بل بالفتوحات، ولا تُعرَفُ أقدارُهم بالضجيج، بل بالصمتِ المهيبِ الذي يسبقُ العواصف.. هو اللواءُ يوسفُ المداني؛ سِفرٌ من أسفارِ العِزّة، وآيةٌ من آياتِ الثبات، ونموذجٌ قرآنيّ يُستضاءُ به في دياجيرِ الحروب.
اختصر في ملامحه وقارَ بيت النبوّة وبأسَ الولاية، فكان بحقٍّ عنوانَ المجد وسيفَ القدر.
هيبةُ الصمتِ وفصاحةُ الفعل
يتحَرّك “أبو حسين” في محرابِ القيادةِ بسكينةِ العارفين؛ فإذا نطق لم تكن كلماتُه حروفًا، بل قوارعَ تُزلزلُ عروشَ المستكبرين، وتنفذُ في صدورِ الأعداء نفاذَ النبالِ المُسدَّدة.
يجسّد معنى قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29).
ويحمل في وقاره وبأسه روحَ وصيةِ أميرِ المؤمنين عليٍّ -عليه السلام- في الرجال الصناديد: «فَأَفْرِغْ لَهُمْ مِنْ صَبْرِكَ، وَأَجْمِعْ لَهُمْ مِنْ ذِهْنِكَ، فَإِنَّهُمْ كِنَانَةُ اللهِ الَّتِي مَنْ رَمَى بِهَا لَمْ يُخْطِئْ».
طوفانُ الساحلِ ومُذِلُّ الأساطيل
وطِئت قدماه رمالَ الساحل، فغارَ ماءُ الطغاة، وانكسرَ جبروتُ أمريكا وبريطانيا وكَيان الاحتلال الصهيوني الغاصب.
ما رأوا من الساحل نورًا منذ أن حَـلّ فيه “ذو الفقارِ اليمني”، بل جحيمًا سُعِّر بأيدي المؤمنين، فأُرغِمت أنوفُهم على الانسحاب وهم يجرّون أذيالَ الخيبة.
وكأنّ لسانَ الحال ينشد: صمتُ الرجالِ بلاغةٌ ومهابةٌ..
وَإذَا نطقتَ فصارمٌ مسلولُ ولّت بوارجُهم تجرُّ هزيمةً..
لمّا رأتكَ كما السعيرِ تُصالِي
الرُّكنُ الوثيقُ والتواضعُ العَلوي
إنّ بناءَ القوةِ البحرية والمنطقةِ الخامسة على يديه لم يكن ترفًا عسكريًّا، بل بنيانًا مرصوصًا لحمايةِ حياضِ الأُمَّــة.
وَإذَا جلستَ في مجلسه، تملّكك الوقار، وأخذتْ لبَّك سماتُ التواضع التي لا تجتمع إلا في سليلِ بيتِ النبوّة، فتذكر وصفَ عليٍّ -عليه السلام- للمتقين: «عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنفسهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ».
قهر كبرياءَ الاستكبار، وبلغ في التواضع مبلغًا يعجزُ الواصفُ عن إدراكه، جامعًا بين رِقّةِ «رحماء بينهم» وسطوةِ «أشدّاء على الكفّار».
يدُ القائد الممدودةُ وبأسُه المسطور
إذا كان القائدُ رأسَ التدبير وقلبَ المسيرة، فإنّ يوسفَ المداني هو اليدُ الضاربةُ التي لا تُخطئُ بُوصلتها، والساعدُ الأشدُّ الذي تُلقى إليه جسامُ المهام فيحتملها بصلابةِ الحيدريين.
هو الترجمةُ الميدانيةُ للتوجيه، والصدى العمليُّ لكلمات القائد في ساحات الوغى.
أمام السيدِ القائد، هو غُصنُ أدبٍ واتباع، كمالكِ الأشتر بين يدي أمير المؤمنين، حَيثُ قال عليٌّ -عليه السلام-: «كَانَ لِي كَمَا كُنْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله».
ذوبانٌ في القيادة، لا يرى لنفسه مشيئةً خارج نهجها، ولا يبتغي فخرًا إلا بكونه جنديًّا مخلصًا في مدرسة آل البيت.
سوطُ العذابِ على قوى الاستكبار
حين يُوجَّهُ بضربِ مراكزِ القوى، يكون المداني سوطًا يذيقُ الأعداء وبالَ أمرهم، فيحوّل التهديداتِ واقعًا، ويجعل الخطوطَ الحمراءَ رُكامًا تحت أقدام المجاهدين.
أثبت في البحرِ والبرّ أنّه: عصا القائد التي تشقُّ بحارَ الظلم.
وقبضةُ المسيرة التي تُحطّم أساطيرَ التكنولوجيا الغربية.
والرجلُ الذي يستقبلُ الموتَ بابتسامةِ الواثق ليُخرجَ من صُلبِه حياةً كريمةً للأُمَّـة.
وكأنّ حالَ القائد فيه يردّد قولَ عليٍّ -عليه السلام-: «لَقَدْ ضَرَبْتُ هَذَا الأَمْرَ ظَهْرًا وَبَطْنًا.. وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي».
ختامًا
ليس اللواءُ يوسفُ المداني اسمًا في سجلّات القادة، بل نَفَسٌ رحمانيٌّ سَرَى في رمالِ الساحل فأنبت نصرًا وعزًّا.
برهانٌ ساطعٌ على أنّ الفئةَ القليلةَ إذَا اعتصمت بحبلِ الله غلبت جحافلَ المستكبرين.
سلامٌ على اليدِ التي لا ترتجف، والعينِ التي لا تنام، والقلبِ الذي استمدَّ من السيدِ القائد نبضَه.
سلامٌ على يوسفَ المداني؛ بقيّةِ السيف، وعنوانِ الوفاء، وذو الفقارِ المسيرة، والآيةِ الشاهدة على أنّ من تولّى الله ورسولَه والذين آمنوا، فإنّه من حزبِ الله الغالبين.