أبو عبيدة.. صوت المقاومة الذي زعزع العدو حتى الشهادة

البيضاء نت | تقرير هاشم علي 

 

لم يكن الشهيد حذيفة سمير الكحلوت “أبو عبيدة”، مجرد ناطقٍ عسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، بل تحوّل على مدى أكثر من عقدين إلى قائدٍ فعلي للجبهة الإعلامية للمقاومة، وصوتٍ مركزي في معارك الوعي والحرب النفسية مع كيان العدو، وباستشهاده، يُسدل الستار على مسيرة استثنائية لقائدٍ خاض المواجهة بالكلمة بقدر ما خيضت بالسلاح، وترك أثرًا عميقًا في وجدان جماهير المقاومة، وارتباكًا دائمًا في حسابات العدو.

منذ ظهوره العلني الأول عام 2004 خلال معركة أيام الغضب، رسّخ الشهيد أبو عبيدة نموذجًا إعلاميًا مقاومًا منضبطًا، لا يكثر الظهور، ولا يطلق المواقف إلا حين تفرض المعركة كلمتها، ليصبح أحد أبرز رموز الصراع المفتوح مع العدو، وحتى ارتقائه شهيدًا على طريق القدس.

هوية محجوبة.. وتأثير حاضر

خلف اللثام والكوفية، بقيت هوية أبو عبيدة طيّ الكتمان، رغم محاولات الكيان المتكررة لكشفها أو استهدافه، وعلى مدى سنوات، لم يمتلك العدو سوى تخمينات إعلامية، جرى الترويج لها دون حسم، في مقابل تأكيد مصادر قسامية أن هويته ستبقى سرًا لا يُكشف.

هذا الغموض، إلى جانب ثبات الأداء، منح خطابه قوة إضافية، وجعل من كل ظهور له حدثًا استثنائيًا، تترقبه جماهير المقاومة، ويرصده الإعلام العبري بدقة، حتى أقرّ محللون ’’إسرائيليون’’ بأن بياناته تحظى بمصداقية تفوق الرواية الرسمية لجيش العدو.

خطاب المعركة.. حين تصبح الكلمة سلاحًا

خلال معارك كبرى، أبرزها “سيف القدس” عام 2021 و”طوفان الأقصى”، لعب أبو عبيدة دورًا محوريًا في إدارة الوعي الجمعي، سواء داخل فلسطين أو على امتداد العالمين العربي والإسلامي، كانت كلماته تتزامن مع التحولات الميدانية، وتعلن الوقائع بلغة واثقة، خالية من التهويل، لكنها حاسمة في المعنى.

ومن عباراته التي رسخت في الوجدان، وصفه الضربات الصاروخية على عمق الكيان بأنها “أهون علينا من مياه الشرب”، واختتامه الدائم لخطاباته بعبارة الشهيد عز الدين القسام: “وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد”.

طوفان الأقصى.. الذروة الإعلامية

مع اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، تحوّل صوت أبو عبيدة إلى العنوان الأبرز للمعركة، رسائل صوتية ومرئية متتالية، تناولت ملف الأسرى، والخسائر الصهيونية، واستراتيجية الاستنزاف، لتصبح تصريحاته مادة يومية للنقاش السياسي والإعلامي، داخل فلسطين وخارجها، بل وفي الإعلام العبري ذاته.

وخلال هذه المرحلة، بات اسمه الأكثر تداولًا، وأحد أبرز رموز الحرب النفسية التي أربكت العدو، وكسرت احتكاره للرواية.

استشهاد القائد وبقاء الرسالة

في 29 ديسمبر 2025، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” استشهاد أبو عبيدة في معركة طوفان الأقصى، لتطوى بذلك صفحة رجلٍ قاد الإعلام العسكري القسامي لأكثر من عشرين عامًا.

ورغم إعلان استشهاده، لم يُغلق هذا الفصل، إذ خرج ناطق جديد باسم القسام ليعلن أن لقب “أبو عبيدة” سيبقى حاضرًا، وأن الرسالة مستمرة، في تأكيد واضح على أن المقاومة لا تختزل في الأشخاص، بل في الفكرة والعقيدة والمسار.

إرث لا يغيب

برحيل أبو عبيدة، تفقد المقاومة أحد أبرز وجوهها الإعلامية، لكنها تحتفظ بإرثٍ رسّخ معادلة جديدة: الكلمة المنضبطة سلاح، والصدق الميداني قوة، والإعلام المقاوم جبهة لا تقل أهمية عن الميدان.

لقد علّم أبو عبيدة أن الصوت حين يخرج من قلب المعركة، يكون أبلغ من كل ترسانة دعائية، وأن اللثام ليس إخفاءً للوجه، بل تكريسٌ للرمز.