حين يتحول الميدان إلى مأساة.. صمود اليمنيين يتحدث

البيضاء نت | تقرير 

 

 

كان ميدان التحرير، قلب العاصمة صنعاء النابض، مكانًا للحياة بكل تفاصيلها؛ ساحة واسعة لا تعرف الهدوء، يعجّ بالمارة المتأنقين، وتصدح فيها ضحكات الأطفال وهم يركضون بين الأزقة، بينما ينشد الباعة المتنقلون أغاني الحياة اليومية. هنا كانت الذكريات تُصنع، والأحلام تُنسج بهدوء تحت شمس الظهيرة. كان الميدان رمزًا للتلاقي والدفء الاجتماعي، يحتضن قلوب اليمنيين في كل وقت، حتى تحوّل فجأة إلى كومة من الركام إثر غارة وحشية.

في لحظات معدودة، تبدّل المشهد. اختفت ملامح الميدان، وتلاشى صخب الحي. استهدفت الغارة مقر صحيفتين، فتصاعد دخان كثيف حجَب السماء، وانتشرت شظايا الزجاج والحجارة على طرقات كانت عامرة بالمارة قبل ساعات. اختلط صدى صرخات الناجين بصفارات سيارات الإسعاف التي كانت تسابق الزمن، في محاولة يائسة لإنقاذ من يمكن إنقاذه من تحت الأنقاض. كل حبة تراب وكل قطعة زجاج حملت في طياتها حكاية ألم لا تُنسى.

وسط الغبار، كانت الوجوه شاحبة، مختلطة بين الخوف والضياع. صرخات الأمهات تبحث عن أطفالهن، وآباء يجلسون على الأرصفة بوجوه صامتة، عاجزين عن استيعاب كيف تحوّلت بيوتهم وذكرياتهم إلى حطام في طرفة عين. كل حجر على الأرض يروي مأساة عائلة، وكل رائحة دخان تحكي فاجعة حيٍ كان ينعم بالسكينة.

لكن في قلب هذه المأساة، برزت الروح اليمنية الصامدة بكل قوة وصلابة. حين حاول أحدهم مواساة رجل مسن، ردّ الأخير بصوت يكسر صدى الصدمة، بلهجته الصنعانية التي تختزل السنين:

“مالك يا ولدي؟ كل شيء فداء غزة، أرواحنا وأبناؤنا فداء غزة والانتصار لها. نحن صامدون، ولن نتراجع عن موقفنا ومبدأنا الإيماني.”

في تلك الكلمات البسيطة، تجلّت إنسانية عميقة، تؤكد أن أي خسارة مادية لا تساوي ذرة في ميزان الحق والإيمان، وأن ميدان التحرير، وإن هدمت بيوته، سيظل رمزًا لا يُكسر.

من وسط الركام، وقفت الحرائر اليمنيات متحديات، يطلقن رسائل من قلب العاصمة، صرخن بصوتٍ ملؤه العزة:

“والله العظيم لا نذل أبدًا، ولا ننكسر، أرواحنا وبيوتنا وأولادنا فداء لهذه المسيرة القرآنية.”

كلماتهن جسّدت صوت اليمن المجاهد، مؤكدة أن هذا الشعب لن يخضع مهما اشتدت آلة القصف، وأن غزة ليست وحدها. فرغم الدمار، ظلت النساء يرفعن رؤوسهن شامخة، يبعثن برسالة واضحة: روح اليمن أكبر من أن تنكسر، وميدان التحرير سيظل رمزًا للصمود الذي لن يتمكن أحد من تغييب ملامحه.