قمة الدوحة.. مسرحيةُ الشجب والإدانة في فصلها الجديد
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبد القوي السباعي
البيانات التي ستلقونها اليوم -أيها السادة- قد أصدرتها دواوينُكم ووزاراتُ خارجيتكم بُعَيْدَ العدوان مباشرةً، وقد وضع المجرم نتنياهو نُسَخًا منها في أقرب سلة مهملات. لكن ماذا لو كانت هذه القمة مختلفة وفي جعبتكم قرارات حقيقية؟
تتجه أنظار العالم -أَو على الأقل ما تبقّى من المهتمين- إلى الدوحة، بعد أن هبطت الطائراتُ الرئاسية والملكية والأميرية محمَّلةً بأصحاب الجلالة والفخامة والسمو ووفودهم الموقّرة.
الأجواء مهيبة، والبيانات أُعِدّت بعناية فائقة، والكلمات الرنَّانة صُقلت بديباجة مدروسة، وكل شيء يوحي بأننا على وشك حَدَثٍ تاريخي سيغيّر مجرى التاريخ.
ولكن مهلًا.. قبل أن يرتفعَ سقفُ توقعاتنا، دعونا نُلْقِ نظرةً على سيناريو المسرحية المُتوقَّع، الذي أصبح محفوظًا عن ظهر قلب لدى كُـلّ مواطن عربي مُصاب بارتفاع ضغط الدم المزمن، من رؤية هؤلاء على وسائل الإعلام العالمية التي وصلت قبلهم لتغطية هذا الحدث غير المسبوق.
طبعًا سيفتتح المشهد صاحب السمو الأميري الهمام، يليه صاحب الفخامة الرئيس الذي يمسك الورقة المكتوبة بعناية أمامه ويعلن بصوتٍ حاسم: “إن دولتَنا تُعلِنُ رفضَها التامَّ للاعتداءات الإسرائيلية السافرة.. وأن الأمن القَطري من الأمن العربي”. كلمات قوية، أليس كذلك؟ تنتهي الفقرة بالختام المأثور: “والله الموفّق والمستعان”، والتصفيق الحار.
يلي ذلك جلالة الملك الذي سيؤكّـد بلهجة تحمل مزيجًا من الأسى والتحدّي: “نحن مع الأشقاء في قطر، ولن نقبل، ولن نرضخ، ولن نرضى”، ثم تبدأ سيمفونية الأفعال المعتادة: “نشجب، ندين، نرفض، نستنكر، لن نقبل، لن نرضخ”، وفي الختام، لا ننسى: “والله الموفّق والمستعان”، والتصفيق الحار.
يأتي دور أصحاب السمو والمعالي، وعلى رأسهم ولي العهد ثم يليه وزير الدولة، وسيُؤكّـد أن “أمن الخليج خط أحمر وممالكُه يدٌ واحدة”، مع تذكير ضروري بأن “الدولة الفلسطينية مهمة” و”وقف الحرب ضروري”، وبطبيعة الحال ستُختتم الكلمات بنفس اللازمة المقدّسة: “والله الموفّق والمستعان”، والتصفيق الحار.
إذا كان هذا هو العبث الذي ستستعرضونه؛ فلماذا كُـلّ هذه التكاليف؟ في عصر “الفيديو كونفرانس” (المؤتمر عبر الفيديو) يمكن لكل قائد تسجيل خطابه من قصره المنيف عبر هاتفه المحمول وقراءته من على كرسيه؛ النتيجة واحدة، والتكلفة أقل بكثير. وفروا على شعوبكم عناء متابعة هذا المسلسل المكرّر؛ فقد ملّت من “الجعجعة” التي لا طحين لها.
البيانات التي ستلقونها اليوم -أيها السادة- قد أصدرتها دواوينُكم ووزاراتُ خارجيتكم بُعَيد العدوان، وقد وضع المجرم نتنياهو نسخًا منها في أقرب سلة مهملات.
لكن ماذا لو؟ ماذا لو كانت هذه القمة مختلفة؟ ماذا لو ذهبتم إلى هناك وفي جعبتكم قرارات حقيقية؟
تخيَّلوا لو دعوتم المجاهد د. خليل الحية لحضور القمة فستكون أبلغَ رسالة إلى المعتدي وكأنها نُذُر ردٍّ قادم، وبعدها سُمِع عن:
قطع فوري للعلاقات مع كَيان الاحتلال الصهيوني.
استدعاء وطرد جماعي للسفراء الصهاينة وإغلاق سفاراتهم.
وقف كامل لخيانة التطبيع والتبادل التجاري.
مراجعة شاملة للاتّفاقيات العسكرية والأمنية مع كيان العدوّ.
حينها فقط ستجدون أن شعوبَكم قبل جيوشكم تقفُ في صفّكم؛ حينها ستتحوَّلُ قمتُكم من مسرحية عبثية إلى ملحمة تاريخية.
إنه اختباركم الأخير؛ إما أن تصدر من هذه القمة قرارات رادعة تحفظ ما تبقّى من كرامتكم وسيادة دولكم، وإما فالأفضل إغلاق هذه الجامعة العربية والمجلس الخليجي و”التعاون الإسلامي” وتحويل مقارّها إلى محالِّ لبيع الأحذية أَو أكشاش لبيع السجائر ولو للصهيوني.
انتهى زمن الكلام؛ الشعوب تريد أن ترى فعلًا واحدًا.. قرارًا واحدًا شُجاعًا تقابلون به ربّكم، قبل أن يُسدَل الستار على هذه الكوميديا المأساوية التي أنتم جزءٌ منها.
“والله الموفّق والمستعان”.. الرجاء عدم التصفيق.