لا تتوقف المساعي العدوانية الأمريكية، وبعد الصمود اليمني والاشتباك البحري المباشر مع كل  من الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، طوال معركة طوفان الأقصى (أكتوبر 2023م حتى أكتوبر 2025م)، والذي انتهى بصمود يمني وعجز عن إيقاف عمليات الإسناد اليمنية، وإضعاف القوات  المسلحة اليمنية، تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى السياسة القديمة المتجددة، وهي “سياسة الحرب الأهلية” أو “سياسة الفتنمة” بتفجير حرب داخل الجغرافيا اليمنية أطرافها يمنية، بتوظيف الأطراف المعادية لصنعاء الموالية للسعودية والإمارات في حرب أمريكية صهيونية بريطانية  خالصة، لا علاقة لها بأي قضايا ومصالح وخلافات يمنية.

 

مضافاً إلى سياسة الفتنمة حصار شديد يستهدف المجتمع اليمني في مناطق حكم المجلس السياسي الأعلى، لإثارة السخط الاجتماعي.

 استخدام التجويع سلاحاً، وتفجير اليمن عسكريا من الداخل استراتيجية بديلة عن العدوان المباشر، إذ إنها أقل كلفة مالية وأقل مخاطر من العدوان الخارجي والغزو المباشر، وفي المواد التي سوف نتناولها -بالتحليل في هذا التقرير- صورة واضحة عن هذه السياسة العدوانية.

 

تمهيد:

يرتكز هذا التقرير على تحليل مضمون مادتين نشرتا في 8 و17 أكتوبر 2025م: الأولى في صحيفة ذا نايشونال انترست بعنوان: “كيفية تأمين البحر الأحمر”، والثانية في منتدى الشرق الأوسط بقلم فرناندو كارفاخال. والأخرى بعنوان: “توسع الحوثيين في السودان يهدد بصراع أوسع”.

 

كتبتا بقلم باحثين مرتبطين بمؤسسات ضغط يمينية متصهينة، معروفة بعدائها لصنعاء وهي “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية”، و”منتدى الشرق الأوسط”.

 

يقدم النصّان “وصفة عملياتية” لمحاولة تفكيك عناصر القوة الردعية اليمنية بحراً وجغرافياً سياسياً، عبر تركيب شبكات وكلاء محليين من المرتزقة، وتمويل وتسليح، وانتزاع شرعية دولية تحت لافتة “أمن الملاحة” و”مكافحة التهريب”.

 لغة المادتين تكشف تصوراً استراتيجياً أمريكياً غربياً يعتبر البحر الأحمر ساحة أولى لتطويق صنعاء وإضعاف قدراتها الصاروخية والمسيّرة، مع تحريك ساحات جانبية (عدن، المخا، الساحل السوداني الذي يذكر كطريق للتهريب) لتشتيت تموضع القوة اليمنية.

 

الإطار الخطابي وصناعة الشرعية

تستخدم النصوص توصيفاً للسلطة الوطنية في صنعاء على شكلَيْن مترابطَيْن: “جماعة إرهابية” و”ذراع لإيران”، هذا التأطير يعمل كأداة سياسية يسمح الفاعلون الدوليون لأنفسهم فيها بتمرير ما يسمونها “إجراءات أمنية” – من تسليح وتدريب إلى عمليات اعتراض بحرية – تحت ذريعة مواجهة التهديدات العابرة للحدود.

 

يأخذ التأطير طابعاً عملياً لا معرفياً؛ فهو يبرّر تمكينِ فواعل محلية وإجازة تدخلات قد تعيد تركيب المشهد السياسي الداخلي لليمن دون التعامل مع أسباب الصراع الأساسية كالعدوان والحصار.

 

قوام الخطاب -الذي يدّعون أنه  قانوني- في المادتين هو استدعاء مفردات “حرية الملاحة” و”مكافحة التهريب والقرصنة” كغطاء لإجراءات عسكرية واقتصادية معادية وغير مشروعة. هذه الراية تتيح تمويل الأنشطة العسكرية بتسويقها لدى المانحين والمجتمع الدولي أنها “مشاريع لحماية الملاحة ومواجهة الجريمة المنظمة”.

 

يجري تصوير الضربات والعمليات البحرية التي نفذتها صنعاء بوصفها “تهديداً للملاحة العالمية”. هذا التصوير يتجاهل مبررات الردع اليمني المترابطة بسياق العدوان على غزة، والدفاع عن الوطن اليمني، ليضرب أي حق يمني في الدفاع عن النفس، وتحويله إلى عدوان، ويفتح الباب أمام تكييف القانون الدولي لصالح سياسات الضغط والعدوان على اليمن.

 

في العموم: المادتان تعكسان توافقاً عملياً بين أوساط بحثية وسياسية غربية على توحيد خطابٍ يؤدي وظيفة عدوانية، عنوانه الرسمي الظاهر “حماية التجارة”، وجوهره العملي تفكيك قدرة الردع اليمنية عبر تمكين المرتزقة وإدارة موارد المانحين.

 

الهدف الفعلي

الغاية الأولى المعلنة والعملية هي ضرب قدرة صنعاء على استخدام البحر كفضاء للردع، عبر استراتيجيات تستهدف التجارة القادمة إلى صنعاء عبر مينائي الحديدة وعدن، والهدف زيادة كلفة استمرار العمليات الدفاعية لدى صنعاء بتحويل الصمود العسكري إلى معاناة اجتماعية لتوليد سخط اجتماعي ضد السلطة الوطنية.

 

تسعى الاستراتيجية إلى خلق بدائل محلية من المرتزقة قادرة على الفعل والتأثير، تُعيد تشكيل ما يسمونه “التوازن الداخلي”: دعم خفر سواحل عدن، تعظيم دور المجلس الانتقالي، وتوسيع صلاحيات وحدات المدعو طارق صالح في الساحل الغربي.

 

ثالث الأهداف هو إحاطة صنعاء بطوق إقليمي عبر جرّ دول القرن الأفريقي والساحل السوداني إلى القيام بدور شبكة مراقبة ولوجستيات تمنع مسارات الالتفاف الطويلة للقوات المسلحة اليمنية. هذه الاستراتيجية تحول المواجهة مع الكيان الصهيوني والأساطيل الغربية المعادية إلى معركة إقليمية مع الدول المشاطئة للبحر الأحمر. تتزايد فيها الضغوط الاقتصادية واللوجستية على صنعاء، وتطيل زمن الاستنزاف.

 

 الأدوات المقترحة 

المخطط مبني على مخرجات “المؤتمر البحري” في الرياض المدعوم بريطانياً، المنعقد في 19 سبتمبر 2025م، ويقوم على حزمة من التدابير العملية: تمويل وتدريب وتسليح وحدات بحرية محلية، تزويدها بمعدات استخبارية، وربطها بمنصّات لوجستية إقليمية. تعتمد المقاربة على منح صفة “أمنية–خدمية” لهذه الوحدات، لتمكينها من عمليات اعتراض دون الحاجة لنشر قوى غربية بكثافة. وقد بدأت في عدن يوم  19 أكتوبر 2025م أولى مراحل تنفيذ بنود مخرجات المؤتمر في مجال التأهيل حول القانون البحري، كمقدمة لتدريب وتأهيل المرتزقة في مختلف الجوانب المطلوبة.

 

تشمل الأدوات بناء شبكات تبادل معلومات آنية بين المرتزقة، تزويدهم بأجهزة رصد ومراقبة، وإنشاء بنك أهداف مشترك يسمح للمرتزقة بتغطية نطاق الساحل اليمني من البحر الأحمر إلى البحر العربي. هذا التكامل يخفض الحاجة لتدخلات جوية مكثفة، ويزيد من قدرة المرتزقة على فرض رقابة بحرية مستمرة.

 

الجغرافيا العملياتية المستهدفة

المخا–الحديدة–عدن

يتحوّل هذا الشريط الساحلي إلى محور فني لقطع التواصل البحري لصنعاء: عمليات تفتيش واعتراض في طرق الإمداد، تحويل مسارات، واستخدام ميناء عدن كنقطة “فلترة” مركزية للسلع والمواد. الهدف -عمليا- هو جعل وصول الإمدادات إلى مناطق صنعاء أكثر تعقيداً وخطورة.

بوابة القرن الأفريقي

تُوظّف السردية الأمنية “توسع أنشطة الحوثيين إلى الساحل السوداني” كمبرر لإشراك دول شرق أفريقيا في جهود المراقبة والاعتراض، ما يخلق شبكة جغرافية تطوِّق اليمن، وتجعل دول القرن الإفريقي جزءاً من محور العداء لليمن كحال الخليج في الضفة الأخرى من اليمن.

قراءة أمنية للتكتيكات المقترحة

بعد إدراك محدودية نتائج الضربات الجوية الأمريكية البريطانية الصهيونية، تتحول الأولوية إلى تعطيل التجارة اليمنية، وقطع وصول التقنية العسكرية إلى اليمن.. حد تقديرهم. وهذا الأمر أكثر فاعلية من القصف الجوي بالنسبة لهم، لأن استنزاف الموارد والتشويش وقطع الإمداد يحدّ من قدرة صنعاء على الاستمرار في العمليات البحرية، ويخلق أزمة اقتصادية في الداخل. التكتيك أقل كلفة لكنه يُحدث أثراً طويل المدى.

 

دمج المرتزقة في منظومة استخبارية واحدة بتأسيس غرفة قيادة استخبارية مشتركة بين الفواعل المحلية، يهدف إلى تجاوز التشتت والتنافس، وتحويل جهود الضبط إلى عمليات متكاملة، قادرة على مساحات بحرية واسعة بقدرة استجابة عالية، كما يطمحون.

 

كما يسعون إلى تشديد الحصار عبر غطاء “قانوني”، عبر تحويل ما يدّعون أنها “مكافحة التهريب” إلى آلية “قانونية” -وهي ليست كذلك- يبرر توسيع قوائم المواد الخاضعة للتفتيش، ويمنح سلطات المرتزقة شرعية زائفة لإدارة حركة التجارة إلى مناطق السلطة الوطنية، ما يترجم عملياً إلى حصار تجاري جديد يؤثر على المدنيين والاقتصاد الوطني.

 

التداعيات على الأمن القومي اليمني
  • توسيع عمليات الاعتراض والتفتيش سيؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد المدنية (غذاء، دواء، واردات صناعية)، ويزيد من تكلفة المعيشة والعبء على الخدمات، ما يقلص قدرة الدولة على الصمود، ويزيد الضغوط الشعبية.
  • إنشاء «طوق» عملياتي من الجنوب والشمال يفرض على صنعاء توزيع قواتها عبر رقعة أوسع، ما يخلّص كثافة حماية المواقع الحساسة، ويعقّد تأمين منصات الإطلاق والتخزين الحيوية.
  • إدخال مانحين أوروبيين وغربيين في إدارة التمويل والتسليح يحول الملف اليمني إلى عملية مدارة دولياً.
  • إشراك السودان وإقليم أرض الصومال يوسع رقعة الصراع ويخلق مخاطر انتقال النزاع إلى ساحات إقليمية جديدة، بما يضمن تطويق اليمن وصنعاء بجوار معادي.
الخلاصة:

 خلاصة القول، تظهر المادتان اتساقاً واضحاً في مخطط تفكيك الردع اليمني عبر البحر، عبر تمكين مرتزقة محليين بمنظومات (تمويل – تسليح – استخبار) عالية الكفاءة، وتوسيع المسرح إلى القرن الأفريقي والسودان، وتأمين غطاء (قانوني–إعلامي) لتبرير العدوان، تحت شعار “حماية الملاحة”.

 نحن أمام استراتيجية حصار متعددة الطبقات، تُراهن على الوقت، وتستهدف إرهاق القدرة الدفاعية، مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطر تصعيدية في البحر الأحمر وسواحله.