نصرة غزة تبقى مُستمرّة
البيضاء نت | مقالات
بقلم / نبيل الجمل
الحرب لم تنتهِ.. والثبات موقفٌ لا ينطفئ.. لذا لا تقل إن الحرب على غزة قد توقفت أَو انتهت؛ فالثبات موقفٌ لا ينتهي.
قد يوحي “وقف إطلاق النار” بانتهاء المأساة، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فالحرب على غزة ليست مُجَـرّد مواجهة عسكرية تُحسم بانفجار أخير أَو هدنة مؤقتة، بل هي صراع وجود، وقضية هُـوية، ومعركة وعي قبل أن تكون معركة سلاح.
من ينصرف بعد الهدوء.. كمن نزل عن جبل الرماة
من الخطأ الاعتقاد أن الحرب تنتهي حين تخبو أصوات القصف. ففي غزوة أُحُد، ظن بعض الرماة أن النصر قد تحقّق، فانصرفوا عن مواقعهم طمعًا في الغنائم، فاستغل العدوّ الفرصة، وانقلبت الموازين. اليوم، من ينصرف عن مناصرة غزة بعد هدوء المعارك، يشبه أُولئك الذين تركوا ظهور إخوانهم مكشوفة. الهدوء لا يعني النهاية، بل قد يكون أخطر مراحل المعركة.
الدعم الحقيقي لا يقتصر على أَيَّـام القصف
في أوج المعارك، يندفع الكثيرون بالعاطفة: يتابعون الأخبار، يدعون، ينشرون، ويعبّرون عن تضامنهم. لكن سَرعانَ ما يخبو هذا الحماس حين تهدأ الجبهات. والحق أن الدعم الحقيقي لا يُقاس بردود الأفعال وقت الأزمة، بل باستمراريته بعدها:
حين يحتاج المُهَجَّرون إلى بيوتٍ تُعاد، والجرحى إلى علاجٍ يُشفِي، والأسر إلى لمِّ شملٍ بعد التشتت، والأسرى وأسر الشهداء إلى عنايةٍ لا تنقطع، والمظلومون إلى صوتٍ لا يصمت.
معركة الوعي أطول وأخطر
الثبات على الموقف هو امتحان الإيمان والوعي معًا. فالحرب الإعلامية والسياسية لا تقل فتكًا عن القصف؛ بل إنها تسعى إلى طمس الحقيقة، وطمس الضمير الإنساني، ودفن الحق تحت ركام النسيان. ومن هُنا، فَــإنَّ الاستمرار في مناصرة غزة ليس ترفًا عاطفيًّا، بل واجبًا لحفظ الذاكرة الحية للأُمَّـة.
الرباط لا ينتهي بانتهاء المعارك
ترك موقع الدعم – سواء بالصمت، أَو الإعراض، أَو التقصير في نشر الوعي، أَو التبرع، أَو قول كلمة حق – يُخلِّف فراغًا يستغله العدوّ لنشر رواياته وتثبيت باطله. الثبات في الموقف، إذن، هو “رباط” مُستمرّ، لا ينقطع بانتهاء المعارك؛ لأَنَّ معركة الوعي أطول مدىً وأشد خطرًا.
غزة ضمير الأُمَّــة
غزة ليست مُجَـرّد بقعة جغرافية، بل هي ضمير الأُمَّــة الحي. موقفنا منها معيارٌ ليقظتنا وكرامتنا. الانصراف عنها انصرافٌ عن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، وعن رابطة الأخوة في الدين والإنسانية. فطوبى لمن لم يَمَلْ، ولم يَكِلْ، وظل قلبه معلَّقًا بقضيتها، ولسانه يلهج بالدعاء لأهلها، وعمله شاهدًا على صدق انتمائه.
النصرة عهدٌ دائم، لا شعارٌ عابر
الوقوف مع غزة ليس واجبًا أخلاقيًّا فحسب، بل هو واجبٌ ديني، ومنارة أملٍ لأهلها المحاصَرين. كُـلّ تفاعل مع معاناتهم يُضيء شمعة في ظلمة الحصار، ويُذكّر العالم بأن قضيتهم ما زالت حية في قلوبنا وأذهاننا.
النصرة ليست شعارًا مؤقتًا يُرفع وقت الأزمات، بل عهدًا دائمًا يُؤدّى في السراء والضرّاء. ومن يثبت على الحق بعد أن يهدأ ضجيج الأحداث، هو الأصدق نيةً، والأطول أثرًا.
فواجبنا اليوم أن نثبت مع غزة: نساندها بكل ما نستطيع، ونحمل قضيتها في وعينا، وأقلامنا، وقلوبنا.
فطوبى لمن كان سندًا لها، لا يتراجع مع أحداثها، ولا ينسى حين ينسى الناس؛ لأَنَّ الثبات في زمن الفتور هو أعظم الجهاد.