الغماري.. ركنُ العزّة في ميادين الكرامة

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / نبيل الجمل

 

في زمنٍ تسقُطُ فيه الأقنعة، وتتكالَبُ فيه قوى الاستكبار على الأُمَّــة من كُـلّ حدبٍ وصوب، لا يبقى للأحرار سوى أن يرفعوا رؤوسَهم إلى نجومٍ أضاءت دروب الصمود.

ومن بين تلك النجوم، بزغ نجمٌ يمنيٌّ قلَّ نظيره: الشهيد القائد اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة اليمنية، الذي سطّر بدمه وعقله وقلبه ملحمةً عنوانُها الثباتُ في وجه الطغيان.

لم يكن الغماري مُجَـرَّدَ قائدٍ عسكريٍّ يحملُ رُتبةً عالية، بل كان رجلَ مشروعٍ قرآنيٍّ أصيل، آمن أن الدين ليس شعاراتٍ تُرفَعُ في المناسبات، بل منهجُ حياةٍ يُترجَمُ في الميدان، ويُدافَعُ عنه بالروحِ قبل السلاح.

منذ اللحظات الأولى لانطلاق المسيرة القرآنية، كان حاضرًا فكريًّا وجهاديًّا، لا يرى في المناصب إلا ساحاتِ خدمةٍ للدين والشعب، ولا في القيادة إلا مسؤوليةً أمام الله ثم أمام الأُمَّــة.

وإذا كان البعض يحسبون أن القيادة تُدار من خلف المكاتب، فإن الشهيد الغُماري كان دائمًا في الصفوف الأمامية، يجولُ بين المجاهدين، يبثُّ فيهم روحَ “النصر أَو الشهادة”، ويُعلّمهم أن الكرامة لا تُشترى إلا بالدم.

جمع بين صلابة القرار ولين القلب، وبين حكمة التخطيط وشجاعة المواجهة.

لم تُغَيّره الرتب، ولم تُوهنه المسؤوليات، بل زادته تواضُعًا وإخلاصًا ونقاءً في السريرة.

في غرف العمليات، كان “عقل الانتصارات”، وفي ساحات الوغى، كان “يد النار”.

وبصمته واضحةٌ في كُـلّ جبهةٍ استعصت على العدوّ، وفي كُـلّ معركةٍ حوّل فيها اليأس إلى أمل، والانكسار إلى عزّة.

وقد ظلّ، في كُـلّ كلمةٍ وكل موقف، وفيًّا لفلسطين، مُصرًّا على أن تحرير اليمن لا يكتمل ما لم يُسهم في تحرير أولى القبلتين.

فساند محور المقاومة قولًا وفعلًا، وبنى رؤيةً عسكريةً جامعةً ترى في وحدة المظلومين سرّ النصر وطريق الخلاص.

رحيله لم يكن نهايةً، بل تتويجًا لمسيرةٍ طويلةٍ من الجهاد والإخلاص.

فقد ترك وراءه إرثًا من العزّة، ومدرسةً في القيادة، وسيرةً يُحتذى بها لكل من يحمل همّ الأُمَّــة وكرامتها.

الشهيد محمد عبد الكريم الغماري ليس مُجَـرّد اسم يُضاف إلى قائمة الشهداء، بل هو رمزٌ حيٌّ لمشروعٍ قرآنيٍّ جهاديٍّ يرفض الذلّ، ويُناضل مِن أجلِ الحرية.

ذكراه باقيةٌ في وجدان الأحرار، وصوته لا يزال يُلهِم القادة والمقاتلين.