القائد الشهيد “الغُمَاري”.. صبرٌ في الميدان، وصمودٌ في الأسر، وجمرٌ يقود إلى النصر
البيضاء نت | محلي
تتشكّل في تاريخ المقاومة لحظاتٌ لا تبقى مجرّد عناوين في نشرات الأخبار، بل تتحوّل إلى علامات فارقة في الوعي الجمعي للأمّة. ومن بين هذه اللحظات، يبرز مشهد استشهاد القائد المجاهد محمد عبدالكريم الغُمَاري؛ حدثٌ لم يكن عابراً في مسار الصراع، بل محطة مفصلية توّجت حياة كاملة من الجهاد بانتقال صاحبها من قائدٍ حاضر في ساحات المواجهة إلى رمز باقٍ في ذاكرة النضال.
لقد أدرك العدوُّ الصهيوأمريكي أنّ استهداف قادة المقاومة هو طريقه الأسهل نحو محاولة كسر إرادة الشعوب الحرّة. ظنَّ أن غياب رأس القيادة يعني سقوط الجسد المقاوم، غير أن الوقائع –كما التاريخ– لم تكفّ يوماً عن تأكيد العكس: فدماء الشهداء، وبالأخص قادتهم، هي التي تُبقي جذوة المقاومة حيّة وتدفعها إلى مراحل أعلى من العزم والقوّة.
ينطلق هذا الموقف من رؤية واضحة: استشهاد الغُمَاري لا يضع نقطة نهاية لصفحة من الجهاد، بل يفتتح مرحلة جديدة من الفاعلية والتأثير. فقد شكّل الشهيد نموذجاً لقيادة إيمانية واعية، استطاعت نقل المقاومة من حالة ردّ الفعل إلى المبادرة والتخطيط وصناعة المعادلات الرادعة؛ إرثٌ سيظل مصدر إلهام للأجيال ورافعة لاستمرار معركة التحرير.
وما كان لهذه الورقة أن تُكتب إلا انطلاقاً من محاولة فهم شخصية هذا القائد الاستثنائي، والاقتراب من الأبعاد القيادية التي ارتسمت في حضوره وازدادت رسوخاً في لحظة رحيله.
إنها ورقة موقف استراتيجي تتجاوز حدود الرثاء التقليدي، مستنيرةً بتوجيهات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، ومرتكزةً على المفهوم القرآني للشهادة كطريقٍ للعزّة، لا كما يراها المتهاوون في دروب الارتهان، ولا كما يفهمها من تخلّت قلوبهم عن روح المقاومة.
فالوعي الذي نستلهمه من رحيل الغُمَاري ليس بكاءً على فاجعة، بل قراءة في مسارٍ يزداد وضوحاً كلما تعاظمت التضحيات، واستنهاضٌ لقوّةٍ تعلو فوق محاولات الإخضاع والخذلان، وتثبيتٌ لدرعٍ واقٍ يحصّن الأمّة من السقوط في وحل العمالة لأعدائها.
إن تخليد سيرة الشهيد الفريق الركن محمد عبدالكريم الغُمَاري رضي الله عنه، هو شرفٌ يحمله كل قلمٍ حرّ، وكل صوتٍ يدرك أن مسيرة الدم الطاهر هي التي تعبد طرق النصر، مهما طال الزمن.