الاتفاق العسكري المصري-السعودي: هل هو تحصين للرياض أم تهرب من استحقاقات السلام في اليمن؟
البيضاء نت | تقرير محسن علي
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتزايد حدة التهديدات الموجهة إلى المملكة العربية السعودية من صنعاء، وفي خضم مماطلة الرياض في تنفيذ خارطة السلام المتفق عليها مع اليمن، جاء الإعلان عن اتفاقية تعزيز التعاون العسكري بين مصر والسعودية بعد أشهر قليلة من اتفاقية مماثلة أجرتها الرياض مع باكستان خلال الأشهر المنصرمة, ليثير تساؤلات عميقة حول الأبعاد الحقيقية لهذا التقارب، وما إذا كان يمثل تحصيناً للرياض أم محاولة للتهرب من استحقاقات السلام في اليمن.
الاتفاق العسكري المصري-السعودي.. الأهداف المعلنة والمضمرة
عقدت اللجنة العسكرية السعودية-المصرية العليا اجتماعها الحادي عشر مؤخراً، وأسفر عن التوقيع على اتفاقيات لتعزيز أوجه التعاون العسكري بين القوات المسلحة في البلدين بمختلف المجالات.
وبينما رفعت السعودية أهدافا معلنة للاتفاقية منها تعزيز التعاون الدفاعي والأمن الإقليمي وتبادل الخبرات والتدريب المشترك وتنسيق المواقف تجاه قضايا المنطقة, لكن يؤكد مراقبون أن هناك أهداف مضمرة والتي تتمثل في عدة نقاط منها : تحصين الجبهة الجنوبية لمواجهة التهديدات المتصاعدة من صنعاء خاصة بعد توسيع نقاط العمليات اليمنية في البحر الأحمر, بالإضافة إلى إعادة التموضع ومحاولة تعويض التراجع في التحالفات الإقليمية الأخرى لتشكيل جبهة عربية قوية في مواجهة التحديات الجيوسياسية الجديدة, و إرسال رسالة ردع إلى صنعاء بأن أي تصعيد عسكري سيواجه برد إقليمي منسق، وليس سعودياً منفرداً.
التقارب العسكري بين أكبر قوتين عسكريتين في العالم العربي، وإن كان تقليدياً، إلا أن توقيته الحالي يشي بأنه يمثل محاولة سعودية لـ”شراء” عمق استراتيجي في ظل تزايد الشعور بالهشاشة الأمنية على حدودها الجنوبية.
التهديدات اليمنية المتصاعدة.. دافع التحصين
شهدت الفترة الأخيرة تصعيداً في الخطاب والتهديدات الموجهة من صنعاء إلى الرياض، خاصة بعد انخراط اليمن في عمليات إسناد لغزة, هذا التصعيد يضع السعودية أمام خيارين أحلاهما مر: إما تنفيذ استحقاقات السلام أو مواجهة تصعيد عسكري محتمل.
وأكدت صنعاء أن لديها “أوراقاً متعددة وخيارات واسعة” للرد على أي مماطلة أو عدوان، مشيرة إلى أن الرياض “أعجز من كسر إرادة اليمن أو ترهيبه” وأن صبر صنعاء لن يطول أمام استمرار الرياض في تهربها من تنفيذ خارطة السلام
هذا التهديد المتزايد، خاصة بعد النجاح اليمني في فرض معادلات جديدة في البحر الأحمر، يدفع الرياض للبحث عن مظلة أمنية إضافية، وهنا يأتي الدور المصري كشريك استراتيجي يمتلك قدرات عسكرية وبحرية مهمة.
التهرب والمماطلة.. ذريعة “دعم غزة”
تأتي هذه التحركات العسكرية في وقت تشهد فيه خارطة السلام اليمنية-السعودية جموداً ومماطلة واضحة من الجانب السعودي, وقد اتهمت صنعاء الرياض صراحة بـالتهرب من استحقاقات السلام المتفق عليها.
في الأشهر القليلة المنصرمة وفي تصاريح رسمية اتهمت صنعاء السعودية بمحاولة ابتزاز اليمن ومقايضة السلام بوقف إسناد غزة، واصفة هذا المطلب بأنه “مطلب أمريكي” مؤكدة أن هذا التهرب منذ مرحلة خفض التصعيد في العام 2023م يهدف إلى تأجيل تنفيذ الالتزامات الجوهرية لخارطة السلام، ممثلة بإنهاء الحرب ورفع الحصار و صرف رواتب الموظفين ورفع الحصار بشكل كامل, وهو ما دفع النظام السعودي لتحريك ملف التفاوض من جديد برعاية عمانية وحضور أمريكي بريطاني, يقول مراقبون أن الرياض تحاول من وراء ذلك كسب الوقت، ربما بانتظار تغيرات إقليمية أو دولية، أو لتقييم مدى جدية التهديدات اليمنية.
السعودية أمام فرصة تاريخية
وفي الوقت الذي لا تزال المماطلة السعودية تبارح مكانها وجه عبدالقادر المرتضى رئيس لجنة شئون الاسرى رسالة جديدة للنظام السعودي أكد فيها على أن صنعاء جاهزة لسلام حقيقي ودائم يحفظ ويحمي أمن وسيادة البلدين رغم الجراح الغائرة التي خلفها عقدٌ من العدوان والبغي بغير حق, وامام السعودية فرصة تاريخية لاصلاح ما افسدته سياستها العدائية تجاه اليمن.
والمح المرتضى بانه يكفي للسعودية استمرار المكابرة معتبرا دعوة صنعاء فرصة ثمينة و”تفويت الفرصة غُصّة”.
وتاتي هذه الدعوة وقت يخوض فيه المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرغ، حراكًا في العاصمة العمانية مسقط لتنفيذ اتفاقية خارطة الطريق في اليمن وذلك بعد شهور من توقف مساعيها بسبب ضغوط امريكية ردا على الموقف اليمني تجاه اسناد غزة والشعب الفلسطيني.
يأتي هذا التصريح بعد لقاء عقده رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام الاربعاء الماضي في العاصمة العمانية مسقط المبعوث الأممي الى اليمن هانس غروندبرغ لبحث مسار السلام المتمثل بخارطة الطريق المسلمة للأمم المتحدة والمتفق عليها مع الجانب السعودي برعاية سلطنة عمان،
واكد عبدالسلام بانه تم لفت نظر الجانب الاممي إلى ضرورة استئناف العمل على تنفيذ ما تضمنته الخارطة وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية وأنه لا يوجد أي مبرر للاستمرار في المماطلة حيث تضم خارطة الطريق في مرحلتها الأولى استحقاقات إنسانية ابرزها رفع القيود عن الموانئ والمطارات وصرف مرتبات الموظفين .
الاتفاق السعودي-الباكستاني.. البحث عن “المظلة النووية”
لم يقتصر التحصين السعودي على الجبهة العربية، بل امتد إلى آسيا عبر توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك مع باكستان في سبتمبر 2025. هذا الاتفاق، الذي وصفه البعض بأنه “دفاع مشترك حتى الموت”، يمثل تحولاً نوعياً في الاستراتيجية الدفاعية للمملكة وتوسيع الردع المشترك لأعلى مستوياته حيث يُعتبر أي اعتداء على المملكة اعتداءً على الجيش الباكستاني, هذا يوفر للسعودية عمقاً استراتيجياً غير مسبوق، خاصة في ظل امتلاك باكستان لقدرات نووية.
لجوء الرياض إلى باكستان وعقد الاتفاق يأتي وقت تشعر فيه الرياض بأن المظلة الأمنية الأمريكية لم تعد كافية أو مضمونة، مما دفعها للبحث عن شريك نووي موثوق به لردع التهديدات الإقليمية, ويبعث برسالة قوية لإيران وصنعاء بأن السعودية لن تقف وحيدة في مواجهة أي تهديدات أو تصعيد عسكري’ قد تجلب ردا من قوة عسكرية إقليمية كبرى,
خطوة لتجنب دفع ثمن السلام في اليمن
يمكن النظر إلى الاتفاق العسكري المصري-السعودي على أنه رد فعل استراتيجي على تزايد الشعور بالخطر على الحدود الجنوبية للمملكة، وتعبير عن قلق سعودي عميق من قدرة صنعاء على تحويل التهديدات إلى واقع، خاصة في ظل فشل الرياض في تحقيق أهدافها العسكرية في اليمن.
إن هذا الاتفاق، بدلاً من أن يكون خطوة نحو الاستقرار الإقليمي، قد يكون محاولة سعودية لـ”التحصن” خلف قوة إقليمية أخرى (مصر) لتجنب دفع ثمن السلام مع اليمن، وهو الثمن الذي تصر صنعاء على أنه لن يتم مقايضته بوقف دعمها للقضية الفلسطينية, وبذلك، فإن الاتفاق يرسخ فكرة أن الرياض تستخدم التعاون العسكري كـأداة للمناورة والتهرب من التزاماتها، مما يزيد من احتمالية التصعيد بدلاً من التهدئة.