من صنعاء إلى غزة.. السعودية في خدمة مشروع السيطرة على الأمة
البيضاء نت | تقرير هاشم الأهنومي
على امتداد الزمن، لم يكن الدور السعودي في المنطقة نابعًا من قرار سيادي مستقل، بل كان حلقة متقدمة في مشروع أمريكي–صهيوني يهدف لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم أمن “الكيان الصهيوني” ويُخضع الشعوب لهيمنة واشنطن.. يتضح هذا الدور بجلاء اليوم في محورين رئيسيين: العدوان على اليمن و التطبيع العميق مع العدو الصهيوني، وصولاً إلى فتح مقدسات الأمة أمام الصهاينة في وقت تُباد فيه غزة تحت القصف والتجويع.
الطرف الرئيسي لا مجرد مشارك
منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان على اليمن، كانت السعودية هي القائد والمموّل والمشرف والمُنفِّذ.. لم تكن شريكًا أو داعمًا، بل طرفًا أصيلًا اتخذ قرار العدوان، وجنّد المرتزقة، واستقدم الغطاء الدولي، ووظّف ثرواته النفطية لتدمير بلد كامل، وحاول فرض وصاية شاملة على الشعب اليمني.. وحتى اليوم، تُدير الرياض الصراع في المحافظات المحتلة، وتدعم التشكيلات المسلحة، وتسعى لتفكيك اليمن بما يخدم أطماعها في الجغرافيا وموارد الثروة، وبما يلبّي أجندة واشنطن وتل أبيب.
مناورة لخدمة “الكيان”
لا يمكن قراءة المناورات العسكرية السعودية الأخيرة، وعلى رأسها “الموج الأحمر 8”، خارج سياق المشروع الأمريكي–الصهيوني.. فالمملكة تنفّذ هذه التحركات ضمن القوة البحرية الأمريكية “153”، في خطوة تهدف إلى عسكرة الممرات المائية الحيوية وتطويق القوى المناهضة للهيمنة، وفي مقدمتها اليمن الذي أثبت حضوره الاستراتيجي عبر عمليات البحر الأحمر التي أربكت العدو الصهيوني وحماته.. الرئيس الإريتري نفسه حذّر من أن عسكرة الجزر اليمنية خدمةً للقوى الأجنبية تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة بأكملها، وهو ما يؤكد خطورة الدور الذي تؤديه السعودية في هذا المسار.
التطبيع المتسارع
المؤشرات المتسارعة تؤكد أن العلاقة بين الرياض والعدو الصهيوني تجاوزت مرحلة “التواصل غير المعلن” إلى تعاون أمني واستخباراتي فعال—كما صرّح بذلك مسؤولون أمريكيون كبار، أبرزهم آرون ديفيد ميلر.. لكن الأخطر ما يحدث في ملف المقدسات: فتح باب تملك اليهود في مكة والمدينة خطوة غير مسبوقة في التاريخ الإسلامي الحديث، وتكشف عن مستوى بالغ الخطورة من الانخراط السعودي في مشروع التطبيع، في وقت تُرتكب فيه مجازر الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.. هذا السلوك يكشف ازدواجية مخيفة: خطاب علني يدّعي دعم فلسطين، وواقع عملي يفتح الحرمين أمام الصهاينة ويمنحهم شرعية دينية وسياسية لم يحلموا بها عبر التاريخ.
من أجل “إسرائيل الكبرى”
لم يعد الحديث عن مشروع “إسرائيل الكبرى” مجرد هواجس أو دعاية سياسية.. فالخرائط الصهيونية التي تم الكشف عنها، وتصريحات المجرم نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى”، وأدبيات الجنود الصهاينة عن “الأرض الموعودة” الممتدة نحو الجزيرة العربية—كلها تضع التطبيع السعودي في إطار أخطر من مجرد اتفاق سياسي.. إنه تهيئة جغرافية وعقائدية لمرحلة توسع صهيوني تتجاوز فلسطين إلى قلب الجزيرة، وتطال مكة والمدينة بشكل مباشر من حيث التأثير والمآلات.. وهنا يصبح الدور السعودي حلقة خطرة في المشروع، لا لأنه يقف موقف المتفرج، بل لأنه يفتح الطريق أمام التغلغل الصهيوني في مقدسات الأمة ومراكزها الاستراتيجية.
وهم القوة.. ونهاية الدور الوظيفي
تعتقد الرياض أن دورها الوظيفي في خدمة واشنطن وتل أبيب سيمنحها حماية ومكانة دولية، وأن التطبيع سيضمن لها بقاء العرش واستمرار النفوذ.. لكنها تتجاهل دروس التاريخ: القوة التي تُشترى بالدولار وتُبنى على خدمة الأعداء لا تصنع أمنًا ولا شرعية.. ومهما تزيّنت “رؤية 2030” بالأبراج والنيون، فإنها قائمة على رمال متحركة من العدوان والتطبيع والتبعية.في المقابل، يكتب محور المقاومة من صنعاء إلى غزة صفحة جديدة من تاريخ المنطقة، تُسقط أوهام القوة المصطنعة، وتُثبت أن الشعوب الحرة هي صاحبة الكلمة الأخيرة.
خارج التاريخ
السعودية اليوم تهرول في اتجاه مشروع لا مكان فيه للعرب ولا المسلمين ولا حتى لها.. ومع كل خطوة تقطعها في خدمة واشنطن وتل أبيب، تتراجع مكانتها وتبتعد عن وجدان الشعوب.. لكن مشهد صنعاء الصامدة، وغزة التي تواجه الإبادة بالصلابة، يؤكد أن المستقبل يُصنع بيد المقاومين لا التابعين، وأن الأنظمة التي باعت قضايا الأمة ستجد نفسها عاجلًا أو آجلًا خارج المعادلة التاريخية.