غزّة.. في كارثة المنخفض الجوي
البيضاء نت | مقالات
بقلم / محمد فضل العزي
غزّة الآن لا تواجه منخفضًا جويًّا.. غزّة تُدفَن حيّة تحت بردٍ مسموم، ومطرٍ غاضب، وصمتٍ عربيّ أقسى من العاصفة نفسها.. الجوّ يضرب، والحصار يخنق، والخذلان يذبح.. الأطفال لا يرتجفون فقط.. الأطفال يموتون بردًا.. والشيوخ لا يئنّون.. الشيوخ يُسحقون تحت خيام مبلّلة لا تصمد أمام رياح تقطع النفس.
المنخفض ليس كارثة طبيعية.. بل فصل جديد من القتل البطيء على منهم تحت الخيام.
حين تُغرق الأمطار مخيمًا كاملًا، وحين تتحوّل الخيام إلى أوعية للماء، وحين يبيت البشر فوق الطين وتحت المطر فهذا ليس “طقسًا سيئًا”..
هذا قتل معلَن لشعب محاصَر.
غزّة تُترك بصدور عارية أمام المنخفض الجوي، لأن الاحتلال الصهيوني دمّـر البنية التحتية، ولأن العالم ترك القطاع بلا دواء، بلا كهرباء، بلا مأوى، بلا دفء.. بل بلا أي شيء إلا الألم.
العرب.. شركاء بالصمت قبل أن يكونوا غائبين بالفعل. الصمت العربي اليوم ليس عارًا.. الصمت العربي شركاء الجريمة.
أن تغرق غزة تحت المطر بينما العواصم تدفأ بالغاز والرخاء والمباني الفخمة.. هذا ليس عجزًا، هذا تحديدًا ما يسمى بالتخلّي عن الإنسان.
أين البيانات؟ أين الأنظمة؟ أين الأُمَّــة العربية والإسلامية؟
اختفى الجميع.. وبقيت غزة وحدها في المعركة تتلقف منخفض السماء وخذلان الأرض.
الأمم المتحدة.. بلا ضمير وبلا معنى ترى الصورة:
خيام غارقة، أطفال زُرق الوجوه، أُمهات تصرخ، شوارع تتحول إلى أنهار.
وماذا تقدّم؟ كلام. وحتى هذا الكلام بارد.. عاجز.. هشّ. لا يُنقذ طفلًا. لا يدفئ شيخًا. لا يوقف موتًا.
اتّفاقيات مفصلة لحماية المحتلّ الصهيوني.. وتطويل عذاب غزة
كل “اتّفاق” جديد، كُـلّ “تفاهم إنساني”، كُـلّ “هدنة مشروطة” هو مُجَـرّد قيد أكثر إحكامًا حول عنق غزة.
العالم يفاوض على التفاصيل، بينما غزة تفاوض على البقاء حيّة ليلة إضافية.
أمريكا.. الراعي الرسمي لكل هذا الخراب والإجرام، ما يحدث في غزة ليس مُجَـرّد إهمال دولي.. إنه مشروع مُدار ومغطّى ومرحّب به في أمريكا.
السلاح أمريكي، القرار سياسي أمريكي، والتغطية الإعلامية أمريكية.
حتى المطر يبدو أقسى؛ لأَنَّ غزة تُركت بلا سقف.. بقرارٍ أمريكي.
ورغم كُـلّ شيء.. غزة تقاتل حتى أنفاس البرد الأخيرة.
في قلب الطين، في الخيمة المثقوبة، في الليل الذي يقطع العظم بردًا، هناك أم تشعل قطعة فحم لتُبقي طفلها حيًّا، هناك رجل يحرس خيمته كأنها وطن، وهناك شعب كامل يصرخ في وجه العالم:
نحن لا ننكسر.. نحن لا نُباد.. نحن نحيا..
رغم أنف العاصفة ورغم أنف الجميع.