المنخفض الجوي يوسّع المأساة.. غزة بين حرب الإبادة وغرق المخيمات
البيضاء نت | تقرير
في قطاعٍ محاصر منذ أكثر من عامين على وقع حرب إبادة متواصلة، لم تكن العاصفة القطبية ومنخفض “بيرون” مجرد حالة جوية عابرة، بل تحوّلت إلى كارثة إنسانية مضاعفة عمّقت الجراح المفتوحة، وكشفت حجم الانهيار الذي تسبب به الحصار الصهيوني ودمار البنية التحتية والمخيمات العشوائية التي يعيش فيها مليون ونصف المليون نازح.
وبينما تتساقط أمطار الشتاء وتهبّ الرياح العاتية، تتساقط معها خيام وبيوت وقلوب، في مأساة تتجدد كل ساعة دون أن يتحرك العالم خطوة واحدة لوقفها.
ارتفاع أعداد الشهداء.. الطبيعة تتحول إلى أداة قتل في ظل غياب المأوى
ارتفعت حصيلة شهداء المنخفض الجوي خلال الـ24 ساعة الماضية إلى 14 شهيدًا، بينهم ثلاثة أطفال قضوا نتيجة انهيارات منازل سبق أن دمّرها العدوان واشتداد البرد داخل خيام لا تقي حرًا ولا قرًا.
وتشير المصادر الميدانية إلى أنّ موجة البرد القارس المصحوبة بأمطار غزيرة ورياح عنيفة ضربت مخيمات النزوح المكشوفة، ما تسبب بحالات وفاة نتيجة انخفاض درجات الحرارة وعدم توفر التدفئة أو أي نوع من الحماية الإنسانية.
طواقم الإسعاف والدفاع المدني تواجه بدورها عقبات ضخمة للوصول إلى المناطق المتضررة بسبب تدمير الطرق وشحّ الإمكانات، فيما تتزايد التحذيرات من ارتفاع عدد الشهداء مع استمرار سوء الأحوال الجوية.
انهيار المنازل وغرق الخيام.. كارثة تتكرر كل شتاء وتتوسع هذا العام
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد أن المنخفض الجوي خلف استشهاد وفقدان أكثر من 12 مواطناً، إضافة إلى انهيار 13 منزلاً في مناطق مختلفة من القطاع، كان آخرها في حي الشيخ رضوان وحي الكرامة في مدينة غزة.
أما الكارثة الأكبر فتمثلت في غرق وانجراف أكثر من 27 ألف خيمة بفعل السيول والرياح الشديدة، ما أدى إلى تشريد آلاف العائلات مجددًا بعد أن شُرّدت سابقًا خلال العدوان.
وبحسب المعطيات الرسمية، فقد تضرر أكثر من ربع مليون نازح خلال ساعات فقط، بعدما جرفت المياه خيامهم الهشّة وتسببت بفيضانات واسعة داخل المخيمات.
هذا المشهد يكشف عمق الأزمة الإنسانية التي تضرب القطاع في ظل منع الاحتلال إدخال مواد الإيواء، ومن بينها أكثر من 300 ألف خيمة وكرفانات وبيوت متنقلة يمنع العدو دخولها رغم الحاجة القصوى إليها.
وفاة الأطفال تفضح الحصار.. الرضيعة “رهف أبو جزر” شاهدة على المأساة
اليوم الجمعة سُجّلت وفاة طفلة رضيعة ثانية خلال ساعات بسبب البرد القارس وغرق الخيام.. الطفلة رهف أبو جزر فارقت الحياة داخل خيمة أسرتها في منطقة مواصي خانيونس، في مشهد يلخص حجم المأساة: أطفال يموتون بسبب المطر، ليس لأن المطر قاتل، بل لأن المأوى غير موجود بفعل الحصار.
المصادر الطبية في غزة تؤكد أن عدد الأطفال الذين توفوا منذ الصباح ارتفع إلى طفلين، في وقت يستمر فيه الاحتلال الصهيوني بمنع دخول البيوت الجاهزة ومستلزمات الإغاثة، ويغلق المعابر في وجه الأغطية والمدافئ ومواد العزل والخيام المقاومة للمياه.
حماس والجبهة الشعبية.. ما يجري امتداد مباشر لحرب الإبادة
في مواقف سياسية واضحة، أكدت حركة حماس أن ما يجري في غزة من انهيارات وغرق للمخيمات هو امتداد لحرب الإبادة بأدوات مناخية هذه المرة، مشيرة إلى أن المنظومة الدولية أثبتت عجزًا كاملًا عن حماية المدنيين أو توفير أدنى مقومات الإغاثة.
المتحدث باسم الحركة حازم قاسم أوضح أن المنازل التي تنهار اليوم ليست جديدة، بل هي مبانٍ سبق أن قُصفت خلال العدوان، ومع أول منخفض جوي تحوّلت إلى مقابر فوق رؤوس ساكنيها، في دليل جديد على استمرار الحرب بطرق أخرى.
من جانبها، وصفت الجبهة الشعبية العجز الدولي بأنه خيانة مكتملة الأركان، مؤكدة أن ما يحدث يمثل انهيارًا أخلاقيًا عالميًا أمام مشاهد الغرق والبرد والموت التي يعيشها الأطفال والنساء وكبار السن.
وطالبت الجبهة بإدخال خيام مقاومة للمياه وكرفانات بشكل عاجل، باعتبارها الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية لبقاء النازحين على قيد الحياة.
مشاهد مروّعة داخل المخيمات.. وأزمة تتصاعد كل ساعة
تشير التقارير الميدانية إلى أنّ المخيمات في شمال وغرب غزة تحولت إلى بحيرات من الوحل والمياه الراكدة، فيما يضطر الأطفال للنوم على أرض مبتلة، وتنتشر الأمراض التنفسية والحساسية الجلدية، وسط نقص حاد في الأدوية والمضادات الحيوية.
مئات العائلات لجأت إلى استخدام أكياس البلاستيك والملابس القديمة لسدّ الفتحات في خيامها، فيما قام البعض بحفر قنوات بدائية لتصريف المياه في محاولة يائسة لمنع الغرق.
وتتلقى فرق الدفاع المدني مئات النداءات كل ساعة مع اتساع رقعة الفيضانات، لكنها لا تمتلك سوى أدوات بسيطة متهالكة لا تكفي لمواجهة نصف حجم الكارثة.
مأساة مركّبة.. والمجتمع الدولي يتفرج
لم يعد المنخفض الجوي مجرد حدث طبيعي، بل أصبح شاهدًا جديدًا على حجم الإبادة التي يتعرض لها شعب غزة، فالجوع يقتل، والبرد يقتل، والغرق يقتل، بينما المعابر مغلقة، والمأوى ممنوع، والإغاثة محاصرة بقرارات العدو المدعوم أمريكيًا وغربيًا.
وبين خراب العدوان وجحيم الشتاء، يقف أبناء غزة وحدهم في مواجهة عاصفة تضاف إلى عاصفة أكبر: حصار استمر أكثر من عامين، وعدوان لم يتوقف، وصمت دولي مخزٍ يتواطأ مع القاتل.
نقلاً عن موقع 21 سبتمبر