وأعدُّوا لهم.. التحصين فريضة مقدَّسة «2»
البيضاء نت | مقالات
بقلم / بشير ربيع الصانع
حين نتأمل سننَ الصراع في القرآن الكريم، ندرك أن النصرَ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأخذ بالأسباب والاستعداد الواعي.. وقد جسّد إخواننا المجاهدون في غزة هذه الحقيقة بوضوح، حين جعلوا الإعداد أَسَاس صمودهم، رغم الفارق الهائل بينهم وبين الكيان الصهيوني في الإمْكَانات، ورغم امتلاك الكيان الصهيوني لأحدث وسائل التكنولوجيا والآلة العسكرية.
لقد كان حفر الخنادق وتجهيز الملاجئ صورة من صور الامتثال العملي لأمر الله، وأخذًا بأسباب النصر التي سنّها سبحانه لعباده؛ فكان لهذا الإعداد أثره في إرباك العدوّ وإفشال أهدافه، حتى وجد نفسه يتخبط طويلًا دون أن يحقّق ما سعى إليه.
قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}، فالقوة هنا وعيٌ، واستعداد، وبصيرةٌ بحجم الخطر المحدق.
فالدول الغربية، كغيرها من سويسرا وألمانيا، ورغم ما تعيشه من رفاهية واستقرار، لم تغفل عن تحصين مجتمعاتها وبناء الملاجئ لحماية شعوبها من أي طارئ أَو خطر محتمل.
وفي المقابل، نجد واقعًا مؤلمًا في عالمنا العربي، حَيثُ ينشغل كثيرون ببناء الأبراج والقصور الفاخرة، غافلين عن هشاشتها أمام أبسط الأخطار، في صورة تعكس غياب الوعي القرآني، وضعف استحضار السنن الإلهية في واقع التحديات التي تحيط بالأمة من كُـلّ جانب.
إن المسؤولية اليوم لم تعد مسؤولية فئة بعينها، ولا شأنًا خاصًّا بزمان أَو مكان، بل هي واجبٌ عام على كُـلّ فردٍ في هذه الأُمَّــة، أن يدرك حجم الخطر، وأن يعيَ أن التحصينَ والإعدادَ هما جزءٌ من الإيمان، وتجسيد عملي للتوكل الصحيح على الله.
فالله سبحانَه وتعالى لم يأمرنا بالإعداد إلا لأَنَّه يعلمُ ما يُدبَّرُ لنا، وما يُخفَى في صدور أعدائنا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَو انْفِرُوا جَمِيعًا}.
إن استشعارَ كُـلّ فردٍ لمسؤوليته تجاه نفسِه وأهله ومجتمعه هو الخطوة الأولى في طريق الصمود؛ فالأمم التي تحيا بوعي تبقى، والأمم التي تغفل عن سنن الله تدفع ثمن غفلتها غاليًا.
وإن العودةَ الصادقة إلى القرآن، فهمًا وتطبيقًا، كفيلةٌ بأن تعيد للأُمَّـة بُوصلتها، لتكون مستعدَّةً، واعيةً، متحصَّنَةً، واثقةً بوعد الله، عاملة بأمره، حتى يأتي نصره الذي لا يتخلف.