حضرموت.. وفضح ذريعة محاربة أنصار الله
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبدالمؤمن محمد جحاف
إن ما يجري في حضرموت اليوم يكشفُ بوضوح أن القضية ليست أمنية ولا سيادية كما يُشاع، بل صراع بين دولتَين محتلّتين تتنافسان على تقاسم النفوذ، كُـلّ وفق حساباته ومصالحه.. السعوديّة تنظر إلى حضرموت بوصفها عُمقًا جغرافيًّا وثروة نفطية وبوابة استراتيجية، فيما ترى الإمارات فيها امتدادًا لمشروع السيطرة على السواحل والموانئ وخطوط التجارة.
وبين هذا وذاك، يُدفَع أبناء حضرموت والجنوب ليكونوا وقودًا لمعركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
في حضرموت، لا تدور الأحداث كما تُقدَّم في الخطاب الدعائي.
ما يجري هناك أبعد من كونه “معركة تحرير”، وأعمقَ من ادِّعاءات محاربة أنصار الله التي تُرفَعُ كشماعة لتبريرِ كُـلّ تحَرّك عسكري أَو سياسي.
إن ما يحدُثُ، في جوهره، صراعُ نفوذ مكشوفٍ بين أطراف التحالف نفسه، وتحديدًا بين السعوديّ والإماراتي، على الأرض والثروة والقرار.
حضرموت، كما المهرة من قبلها، تخلو تمامًا من أيّ وجود لأنصار الله، وهو ما ينسفُ من الأَسَاس الرواية التي تحاول تصوير التحَرُّكات العسكرية على أنها جزء من معركة واحدة ضد “خطر مشترك”.
فكيف تُخاضُ حربٌ ضد طرف غير موجود؟ وكيف تُستنزف الجغرافيا والإنسان تحت لافتة عدو افتراضي، بينما الصراع الحقيقي يدور بين قوى الاحتلال ذاتها؟ إن الذريعة هنا ليست سوى غطاء رقيق لأطماع قديمة متجددة، عنوانها السيطرة على الثروة والموانئ والمنافذ، والتحكم بخطوط النفوذ الإقليمي.
وليس هذا الصراع وليد اللحظة، بل هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التناحر بين أدوات تحالف العدوان.
من عدن التي تحوّلت إلى ساحة صدام مفتوح بين المليشيات الممولة من الخارج، إلى أرخبيل سقطرى الذي جرى اقتسامه سياسيًّا وأمنيًّا بعيدًا عن إرادَة أهله، تتكرّر الصورة ذاتها: اقتتال بين وكلاء، وتبادل مواقع، وتبدل شعارات، بينما يظل المحتلّ هو المستفيد الوحيد.
في كُـلّ تلك المناطق، لم يكن لأنصار الله حضورٌ، لكن الصراع كان دائمًا محتدمًا؛ ما يؤكّـد أن المشكلة ليست في الخصم المعلن كما يُروَّج، بل في طبيعة المشروع الاحتلالي نفسه.
أمام هذه الحقائق، يصبح الموقف الصحيح واضحًا لا لبس فيه: مناهضة المحتلّ، أيًّا كان شكله أَو رايته، ورفض تحويل المحافظات اليمنية إلى ساحات صراع إقليمي تُدار من الخارج.
القضية ليست صراع أدوات، ولا تنافس فصائل، بل احتلال متعدد الوجوه، يتغذى على الانقسام ويعيش على الأوهام التي يصنعها ليبرّر بقاءه.
حضرموت والجنوب اليوم ليست بحاجة إلى مزيد من القوات الأجنبية، ولا إلى مزيد من الذرائع، بل إلى وعي يقرأ المشهد كما هو، لا كما يُراد له أن يُقرأ.
فحين يسقط القناع، يتضح أن معركةَ السيادة الحقيقية تبدأ من تسمية العدوّ الحقيقي، ومن إدراك أن الصراع الدائر ليس إلا صراع محتلّين على أرض يمنية، وأن الخلاص لا يكون إلا برفضهم جميعًا.