ولتكن منكم أمة .. معادلة كسر الهيمنة
البيضاء نت | تقرير طارق الحمامي
في زمنٍ تتكاثر فيه التحديات، وتشتدّ فيه محاولات اختراق الأمة من داخلها قبل خارجها، يضع الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، اليد على جوهر المعركة الحقيقية، ويعيد تصويب البوصلة نحو ساحة الصراع الأولى، الداخل، منطلقاً من الآية الكريمة : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ليقدّم قراءة قرآنية واعية تتجاوز الفهم التقليدي للدعوة والإصلاح، نحو مشروع متكامل لبناء أمةٍ محصّنة، واعية، وقادرة على مواجهة قوى الهيمنة والفساد التي تتسلل إلى المجتمعات عبر الثقافة، والاقتصاد، والأخلاق، والسياسة.
فالمعركة، كما يوضح الشهيد القائد، ليست معركة سلاح بقدر ما هي معركة وعي وإرادة، حيث يُضرب القرار، وتُفرغ القيم، وتُشلّ الأمة من داخلها، قبل أن تُواجه من خارجها.
كما أن الشهيد القائد يعيد تعريف مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بوصفه واجباً شاملاً لا يقتصر على السلوكيات الفردية البسيطة، بل في إطار أمة تشمل قضاياها المصيرية، من الاستقلال الاقتصادي، وبناء القوة الذاتية، إلى الوعي السياسي، ومواجهة الفساد الشامل بكل أشكاله، مؤكداً أهمية العمل الجماعي، وتحول المجتمع من أفراد متفرقين إلى أمة متماسكة تتحرك تحت راية القرآن، وتستعيد دورها الرسالي.
كما يكشف الشهيد القائد كيف يشكّل إصلاح الداخل الأساس الصلب لأي نهوض حقيقي، والطريق الإجباري نحو الفلاح، والنصر، وكسر الهيمنة.
إصلاح الداخل شرط المواجهة الحقيقية
يركّز الشهيد القائد على فكرة محورية مفادها أن أي مواجهة مع العدو لا يمكن أن تنجح دون تحصين الجبهة الداخلية، فالمشكلة ليست في غياب السلاح أو الإمكانيات العسكرية، بل في تفكك الداخل، واختراق الوعي، وضرب القيم من داخل المجتمع.
ويحذّر من الفهم السطحي لمواجهة العدو، الذي يختزل الصراع في اتجاهات جغرافية بعيدة، نيويورك، واشنطن، لندن، باريس، أو الكيان الصهيوني، في حين أن العمل الحقيقي يبدأ من هنا ، من الداخل ، البيوت، والنفوس، والثقافة، والسلوك اليومي.
من هذا المنطلق، تصبح الدعوة إلى الاعتصام بحبل الله جميعاً خطوة تأسيسية، لا شعاراً مجرداً، بل إطاراً عملياً يوحّد الأمة فكرياً وأخلاقياً وسياسياً.
العمل الجماعي في إطار أمة أساس الفلاح
يشير الشهيد القائد إلى المعنى الدلالي في الآية الكريمة على أنها دعوة إلى تشكيل جماعي واعٍ، لا مجرد أفراد صالحين منعزلين، فالأمة، هي جماعة مؤهلة، واعية، تتحرك ببرنامج واضح لإصلاح المجتمع، وتدرك حجم التحديات التي تستهدفها.
لأن غياب هذا الوعي الجماعي هو ما جعل الأمة عرضة للاختراق، حتى باتت تمتلك السلاح دون إرادة حقيقية لاستخدامه، لأن القرار والإرادة قد ضُربا من الداخل قبل أن يُضربا من الخارج.
الفساد الشامل ساحة المعركة الحقيقية
في توصيف القرآن للفساد ، في قوله تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً} ، يؤكد شهيد القرآن رضوان الله عليه ، أن هذا الفساد ليس أحادياً، بل متعدد الأبعاد، فساد ثقافي يغيّب الهوية، وفساد أخلاقي يفرغ القيم، وفساد اقتصادي يكرّس التبعية، وفساد بيئي واجتماعي يدمّر مقومات الحياة، ومن هنا، فإن مواجهة هذا الفساد لا تكون بخطاب جزئي أو ردود فعل مؤقتة، بل ببناء أمة قادرة على التمييز، والمواجهة، والتحصين.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الشهيد القائد يوسع مفهوم الأمر بالمعروف ، ويرفض الاختزال الضيّق لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين يُحصر في قضايا شكلية أو سلوكية بسيطة، ويُغفل القضايا المصيرية للأمة، مؤكداً أن المعروف مجال واسع يهتم بكل مجالات الحياة، ومن الضروري أن تُدعى الشعوب إلى امتلاك قوتها، وقدرتها على الصمود، حتى لا تبقى رهينة للضغوط الخارجية.
خاتمة
يقدّم الشهيد القائد في الدرس الثالث من دروس سورة آل عمران، رؤية عميقة لمفهوم الأمة بوصفها كياناً حياً، واعياً، ومتحركاً، لا مجرد تجمع بشري، وهو درس عميق يضع إصلاح الداخل في صدارة الأولويات، ويعيد الاعتبار للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمشروع شامل لبناء القوة، لا كخطاب جزئي أو شكلي.
إنها دعوة صريحة لإعادة بناء الأمة من الداخل، حتى تكون قادرة فكراً وواقعاً على مواجهة كل أشكال الفساد والهيمنة، وتحقيق الفلاح الذي وعد الله به عباده.