الهُوية الإيمانية.. درع اليمن وكرامة الأُمَّــة
البيضاء نت | مقالات
بقلم / شاهر احمد عمير
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتشتد فيه المعارك الفكرية والثقافية والسياسية ضد شعوب الأُمَّــة، لم يعد الحديث عن الهُوية الإيمانية قضية نظرية أَو طرحًا ثقافيًّا هامشيًّا، بل أصبح ضرورة ملحّة وركيزة أَسَاسية لبقاء الأُمَّــة وصون كرامتها ومستقبلها.
ففي عالمٍ تعمل فيه قوى الاستكبار على تفريغ الشعوب من قيمها وإضعاف ارتباطها بعقيدتها، يصبح التمسك بالهُوية الإيمانية الطريق الأوثق للعزة والمنعة والحرية، وهو السور الحامي الذي يمنح الشعوب القدرة على الصمود والمواجهة واتِّخاذ الموقف الصحيح في اللحظات التاريخية الفاصلة.
ومن أبرز الشعوب التي جسّدت هذه الهُوية واقعًا وروحًا الشعب اليمني الذي يحمل ذاكرة إيمانية راسخة لا يمكن فصلها عن تاريخه ولا عن تكوينه الحضاري.
فاليمن لم يدخل الإسلام بالسيف ولا بالإكراه، بل دخله نورًا وبصيرة وقناعة، حين بعث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- إلى اليمن داعيًا ومبلغًا، ففتح الله على يديه قلوب اليمنيين قبل ديارهم، وأسلمت القبائل بإرادَة ووعي واختيار، ليمنح النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا الشعب وسام الشرف الخالد بقوله: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
كان ذلك الحدث لحظة تأسيسية لهُوية إيمانية متجذرة أصبحت جزءًا من وعي الإنسان اليمني وتكوينه القيمي والإنساني.
ويأتي الاحتفاء بجمعة رجب كأحد أهم تجليات هذا الارتباط التاريخي العميق؛ فهي ليست مناسبة تقليدية ولا ذكرى تاريخية تقف عند حدود الاحتفال، بل عيدًا إيمانيًّا يجدد فيه الشعب اليمني علاقته بأول لحظة دخل فيها نور الإسلام إلى هذه الأرض المباركة، ويستحضر فيه وصول الإمام علي -عليه السلام- إلى صنعاء رسولًا من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
إن استحضار هذه المناسبة ليس استدعاءً لذكرى عابرة، بل إحياءً لهُوية حية تؤكّـد أن الإسلام في اليمن لم يكن طارئًا ولا قسرًا، بل خيارًا واعيًا صنع شعبًا إيمانيًّا بطبيعته، ثابتًا في قيمه، وفيًّا لعهده مع الله ومع رسالته.
ومع ما يعيشه العالم اليوم من صراعات وتحديات، ومع اتساع نطاق الحرب الناعمة التي تسعى إلى ضرب الهُوية وإضعاف الوعي وتشويه المفاهيم الدينية، تتأكّـد أهميّة الهُوية الإيمانية كدرع واقٍ أمام مشاريع الهيمنة والسيطرة.
فالأعداء يدركون أن الشعوب التي تمتلك عقيدة راسخة ومرجعية قرآنية حية تكون أكثر وعيًا وأشد رفضًا للخضوع؛ ولذلك تأتي الحرب على الهُوية منظمة ومكثّـفة عبر الإعلام والثقافة والسياسة ومحاولات تفكيك المجتمعات وإبعادها عن قيمها الأصيلة.
لكن التجربة اليمنية قدمت نموذجًا مختلفًا؛ إذ أثبت الشعب اليمني أن الهُوية الإيمانية ليست مُجَـرّد شعور روحي، بل قوة استراتيجية تصنع الوعي وتوجّـه الموقف وتمنح القدرة على المواجهة.
ففي مواقف اليمن تجاه قضايا الأُمَّــة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لم يكن الإيمان شعارًا عاطفيًّا، بل تحول إلى موقف عملي ومسؤولية أخلاقية وإنسانية، ليؤكّـد أن الهُوية الإيمانية تعني الوقوف مع الحق، والانتصار للمظلومين، ورفض الظلم مهما كانت التضحيات.
وهنا يظهر الإسلام كما أراده الله ورسوله: دينًا يصنع الإنسان الحر، ويقيم مجتمعًا عزيزًا شامخًا لا يقبل الذل ولا يستسلم للهيمنة.
وفي ظل التطورات الجارية اليوم في المنطقة والعالم، ومع ما يشهده الواقع الدولي من محاولات لإعادة تشكيل وعي الشعوب والتحكم بقراراتها ومواقفها، يصبح ترسيخ الهُوية الإيمانية ضرورة استراتيجية وليست مُجَـرّد خطابًا تعبويًّا.
فالقرآن الكريم هو الدستور الذي يصنع وعي الأُمَّــة، وهو النور الذي يهديها في زمن الفتن، وهو المنهج الذي يمنحها القدرة على قراءة الأحداث بوعي واتِّخاذ الموقف الصحيح بثبات وثقة.
وكلما اشتد تمسّك الشعوب بقيمها القرآنية، ازدادت قدرتها على الصمود أمام الضغوط، وتعزز ارتباطها بتاريخها الإيماني، وارتفعت مناعتها أمام مشاريع التفتيت والتذويب الثقافي.
إن جمعة رجب بما تحمله من معانٍ روحية وتاريخية ليست مُجَـرّد ذكرى جميلة، بل محطة لتجديد العهد مع الله ومع رسالة الإسلام، وتأكيد أن الهُوية الإيمانية هي سر قوة اليمنيين، وهي الأَسَاس الذي ينطلقون منه في مواقفهم اليوم، وهي السلاح الروحي والمعنوي الذي يحفظ للأُمَّـة كرامتها ويمنحها القدرة على مواجهة تحديات العصر بثقة وإيمان ويقين بنصر الله وصدق قضيتها.