موت بطيء خلف القضبان.. أسرى فلسطين بين الإهمال الطبي والتعذيب الممنهج”

البيضاء نت | تقارير    

 

سجون العدو تضيق بصرخات الأسرى الفلسطينيين، الذين يكابدون كل يوم أشكالاً من العذاب المتواصل، وسط إهمالٍ طبيٍّ متعمَّد وتعذيبٍ ممنهج، وتضييقات تنتهك إنسانيتهم وتُنذر بكارثة إنسانية متفاقمة.

في زنزانة ضيقة داخل سجن “جانوت”، يئن الأسير الفلسطيني زياد بزار (50 عاماً) من آلام حادة في أسنانه، بينما تتلاشى الرؤية من عينيه بسبب تآكل عدسات نظارته القديمة التي لم تُستبدل منذ سنوات. بزار، المعتقل منذ يوليو 2004 والمحكوم بالسجن 23 عاماً، هو واحد من مئات الأسرى الذين يُواجهون الإهمال الطبي المنهجي، في سجون تحوّلت إلى مقابر صامتة.

ويواجه الأسير محمد شماسنة (56 عاماً)، المعتقل منذ نوفمبر 1993 والمحكوم بثلاثة مؤبدات و25 عاماً إضافياً، وضعاً صحياً متدهوراً بعد إصابته بمرض “السكابيوس” الجلدي منذ أكثر من عام. ورغم تلقيه العلاج ثلاث مرات، لم تتحسن حالته، ويُقابل طلبه لمضاد حيوي بالرفض من إدارة السجن، بينما تنتشر الدمامل في جسده.

هذه المآسي ليست استثناء، بل جزء من سياسة ممنهجة تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بهدف إنهاك الأسرى جسدياً ونفسياً، وكسر إرادتهم.

أرقام مفزعة.. تصاعد في عدد الأسرى

وفق تقارير حقوقية فلسطينية ودولية، تجاوز عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال حاجز 10,800 أسير حتى يوليو 2025، وهو الأعلى منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. من بينهم أكثر من 450 طفلاً و50 أسيرة، بينهن أسيرتان من قطاع غزة. وتُشير الإحصاءات إلى وفاة 170 أسيراً منذ أكتوبر 2023، بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي.

ويُعاني العشرات من أمراض مزمنة خطيرة، وسط حرمانهم من العلاج أو حتى التشخيص المناسب، ما يجعل من “الرعاية الصحية” في سجون الاحتلال شكلاً من أشكال العقوبة.

 سجون مكتظة وتعذيب ممنهج

تشهد السجون الإسرائيلية، ومنها “عوفر” و”النقب” و”جلبوع”، اكتظاظاً يفوق طاقتها الاستيعابية بنسبة تتراوح بين 150% و200%. يعيش الأسرى في ظروف مهينة، داخل زنازين ضيقة تفتقر إلى أدنى معايير النظافة والتهوية. أما التعذيب، فيشمل الضرب المبرح، والعزل الانفرادي لأكثر من 65% من الأسرى، إضافة إلى الحرمان من النوم ومنع الزيارات.

وتفرض سلطات السجون قيوداً إضافية على الأسرى، كمنع الصلاة الجماعية ومصادرة المصاحف، والحد من التواصل مع المحامين. وفي إجراء تصعيدي جديد، فرضت إدارة سجن “عوفر” في 3 يوليو 2025 قيداً يمنع أي محامٍ من زيارة الأسير إلا إذا مثّله في الجلسة الأخيرة، مما يعمّق عزلة الأسرى.

 إهمال طبي ممنهج.. وأمل يتلاشى

هيئة شؤون الأسرى والمحررين وثقت، في تقرير بتاريخ 7 يوليو 2025، تدهور الأوضاع الصحية في سجن “جانوت”، مشيرة إلى حالات حرجة مثل الأسير زياد بزار، والأسير عبد الله البرغوثي (31 عاماً)، المصاب بمرض جلدي دون تلقيه العلاج اللازم، إضافة إلى استمرار معاناة الأسير محمد شماسنة من مضاعفات مرضه.

يُحرم مئات الأسرى من العلاج المناسب، خاصة مرضى السرطان والقلب، ويُتركون للموت البطيء، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية والمواثيق الحقوقية.

 غياب الردع الدولي.. وانهيار منظومة الحماية

رغم فداحة الانتهاكات، إلا أن الصمت الدولي لا يزال سيد الموقف، في ظل عجز المؤسسات الحقوقية عن فرض إجراءات مساءلة أو حماية حقيقية للأسرى. وتبقى صرخاتهم داخل الزنازين شاهداً دامغاً على فصول مأساة تُرتكب بعيداً عن أعين العدالة.

المصدر: وكالات