وماذا بعد تجويع غزة؟!
البيضاء نت | مقالات
بقلم / صفوة الله الأهدل
تستسلم المفردات عن التعبير، ويَعْجِزُ اللسان عن الحديث، وتتبخر الكلمات عن الوصف، وتنهار حروف الأبجديات عن الكلام، وتقف الأيادي عن الكتابة، ويجف المداد عن البوح أمام مأساة غزة وما يحصل فيها ظلمٌ وحصارٌ وعدوانٌ وإبادةٌ وتجويعٌ على يد العدو الإسرائيلي أمام مَرأى ومَسمَع من العرب والمسلمين.
لم تشفع لهم حتى قداسة أرضهم من الحصار والتجويع؛ فلم يرحموا أطفال غزة وصغارها من أن ينهش الجوع أجسادهم النحيلة، ولم يوقّروا شيوخها وكبارها من أن يمزّق الجوع أمعاءهم الخاوية، ولم يشفقوا على نسائها من أن يفتك الجوع بأحشائهن الضعيفة بما فيها.
إلى متى سيظلُّ المسلمون قبل العالم متفرّجين على الجرائم التي تُرتكب في غزة من قِبل العدو الصهيوني لا يُحرّكون ساكنًا؟ إلى متى سيبقى العرب متثاقلين متخاذلين عن نصرة غزة؟ إلى متى سينظر كلاهما إلى الجرائم بدمٍ بارد دون أن يرمش لهم جفن؟ ألن يعلموا أن الدور سيحين عليهم لاحقًا بعد أن ينتهوا من غزة؟ ما الذي ينتظرونه إلى الآن حتى لم يُقدِموا على فعل شيء؟ هل ينتظرون مثلًا أن تحدث معجزة من السماء تُنقذ أهل غزة مما هم فيه بلمح البصر؟ هل ينتظرون أن يحلَّ عذابٌ ببني إسرائيل وتتنزل عليهم حجارة من السماء بسبب جرائمهم البشعة ومجازرهم الفظيعة بحق إخوانهم في غزة وهم ساكتون خانعون؟ هل يترقّبون أن يحصل شيء عظيم من قِبَل الله يوقف جرائم الإبادة في غزة دون أن يفعلوا شيئًا؟ أو هل يتوقعون أن يقاتل الله عنهم ويخوض هذه المعركة بدلًا عنهم ويحظَوا بما لم يحظَ به خاتم الأنبياء؟! ما الذي جرى لهم! لماذا أصبحوا هكذا كقوم نبي موسى، يريدون من الله أن يفعل لهم كل شيء بدلًا عنهم، ثم يأتوا هم فيما بعد ويأخذوا النصر جاهزًا دون أن يبذلوا أي جهد أو يُقدّموا أي تضحية في سبيل ذلك، كما حكى الله في محكم كتابه الكريم:
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
تُرى، ما الذي جعلهم هكذا؟ يرفضون القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم وكل أمر فيه صلاحهم ومصلحتهم؟ أهو حُبُّ الدنيا وحُبُّ الكرسي والسلطة؟ أم هو الخوفُ من الموت ومن لقاء الله؟ أم هو سعيٌ للخروج من الملة، وكرهٌ في الدين، ومسارعةٌ للارتداد عنه وتنكرٌ للانتماء لهذه الأمة الإسلامية، أم ماذا؟!
والله إني لأخشى أن تكون أرض غزة اليوم لعنة على العرب خاصة والمسلمين عامة؛ بسبب رفضهم دخولها لطرد اليهود الصهاينة منها، كما كانت الأرض المقدسة لعنة على بني إسرائيل التي تسببت في تيههم وضياعهم وشتاتهم في الأرض حين رفضوا دخولها.
ما أحقر الأنظمة العربية، وما أشنع فعلهم، وما أقبح موقفهم! أتَوا بما لم يأتِ به الأولون؛ باعوا دينهم وشرفهم وعزّتهم لعدوّهم مقابل اللاشيء، تركوا عروبتهم ونخوتهم حبًّا فيهم، تخلّوا عن إنسانيتهم وضميرهم إرضاءً لهم، لم يكونوا يومًا أحرارًا في دينهم ولا دنياهم عروبتهم وإنسانيتهم بُليت الأمة بهم؛ لم تُحرّكهم لنصرة غزة مروءة الإسلام، ولم توقظهم لنجدتها حمية الجاهلية، وكأنهم ليسوا من هذه الأمة وليست الأمة منهم؛ فبسكوتهم وخضوعهم أصبحت أعناقهم مثقلة بدماء غزة، وبذلّهم وتخاذلهم باتت أياديهم مشاركة في تجويع غزة، وبضعفهم وجبنهم صارت إداناتهم سببًا للإبادة في غزة، وباستسلامهم وخنوعهم أضحت ألسنتهم سببًا في استمرار العدوان والحصار على غزة.