المنافقون بين الحقيقة القرآنية والواقع المعاصر
البيضاء نت | مقالات
بقلم / شاهر أحمد عمير
في زمن تتشابك فيه المؤامرات وتتقاطع فيه مصالح القوى الخارجية مع خيانات الداخل، تصبح قراءة الأحداث بعين العقل والفهم الدقيق ضرورة ملحة لكل من يريد معرفة الحقيقة. فهناك عدو خارجي صريح، يتربص بالأمة الإسلامية منذ قرون، يسعى لتمزيقها وفرض إرادته على شعوبها بالقوة والعدوان، وهناك عدو داخلي يتخفى وراء أقنعة النفاق، يتحدث عن الحياد والسلام، بينما هو في الحقيقة يضعف عزيمة الأُمَّــة ويخون المستضعفين في أصعب اللحظات.
القرآن الكريم كشف لنا طبيعة هذا الصراع منذ أربعة عشر قرنًا، وبين أن أخطر ما يواجه الأُمَّــة ليس فقط الاحتلال المباشر، بل أُولئك الذين يخفون خيانتهم تحت ستار البراءة والحياد، ويساهمون دون وعي في خدمة أعداء الأُمَّــة ونشر الفوضى والضعف بين أبنائها. إن فهم هذه الحقيقة اليوم، في ظل ما يعيشه العالم الإسلامي من عدوان على فلسطين ولبنان وغزة، هو مفتاح قراءة الواقع بوضوح، وتحديد أعدائنا الحقيقيين من أُولئك الذين يظهرون على أنهم أصدقاء ويخفون في باطنهم الكراهية والخيانة.
لقد كشف القرآن الكريم طبيعة اليهود؛ باعتبَارهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وكشف في الوقت ذاته حقيقة المنافقين الذين مردوا على النفاق حتى صاروا عونًا للعدو الخارجي. ومن هنا ندرك أن أخطر ما يواجه الأُمَّــة ليس فقط الاحتلال والعدوان المباشر، بل أَيْـضًا تلك الأصوات التي تعمل على تبرير الجرائم والتشكيك في المواقف الحرة.
من يتأمل واقع أمتنا اليوم يدرك أن الخطر الذي نواجهه ليس فقط من العدوّ الصهيوني الذي يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، بل من أُولئك الذين يبرّرون له ويخذّلون الأُمَّــة عن القيام بواجبها الشرعي والإنساني. هؤلاء هم المنافقون الذين عرفهم القرآن وفضح حقيقتهم منذ أربعة عشر قرنًا، والذين لا يزالون بيننا بنفس المنطق والوجه المزدوج. فستسمع أحدهم يقول: “ما ذنبنا؟ الله لا سامح من كان السبب! هذه كلها أعمال الحوثي!”، وكأن المشكلة كلها في من اتخذ موقفًا شجاعًا ووقَفَ مع المستضعفين، لا في العدوّ الذي يحتل الأرض ويذبح الأطفال والنساء.
إن القيادة الحرة في صنعاء، بقيادة السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله، والقيادة السياسية الممثلة بالرئيس مهدي المشاط، حفظه الله، عندما اتخذت قرارها بنصرة غزة، لم تكن تبحث عن مكاسب سياسية أَو إعلامية، بل انطلقت من إيمان راسخ بقوله تعالى: ?وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ?، ومن إدراك أن المعركة مع العدوّ الصهيوني هي معركة وجودية تستهدف الأُمَّــة كلها، عربها ومسلميها، وليس الفلسطينيين وحدهم.
لكن المنافق دائمًا يتخذ من الحياد ذريعة، فيقول: “أنا مواطن عادي، أشتي أعيش بسلام”، وكأن السلام يتحقّق بالاستسلام، وكأن العدوّ سيتوقف عن عدوانه إذَا أغلقنا أعيننا وتجاهلنا جرائمه.
وقد بين الله تعالى في كتابه أن اليهود هم العدوّ الأول للمؤمنين فقال: ?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا?، والواقع يثبت ذلك يومًا بعد يوم، فما نراه في غزة ولبنان والضفة الغربية ليس إلا تطبيقًا عمليًّا لحقد متجذر في عقيدتهم وكتبهم، وفي مقدمتها التلمود الذي يشرعن قتل المسلمين والعرب.
ولم يقتصر التحذير القرآني على اليهود وحدهم، بل شمل طائفة أُخرى أكثر خطورة من داخل الأُمَّــة، فقال عز وجل: ?الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا? [التوبة: 97].
لو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا أن الذي قال: ?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا?، هو نفسه القائل: ?الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا?، ليؤكّـد أن التحذير من العدوّ الخارجي والمنافقين الداخليين صادر عن الله الواحد القهار، وأن الفهم الصحيح لهذه الآيات هو مفتاح رؤية الواقع المعاصر بدقة، حَيثُ العدوّ لا يقتصر على الاحتلال الظاهر فقط، بل يشمل أُولئك الذين يخفون خيانتهم تحت ستار النفاق ويضعفون جهود الأُمَّــة من الداخل.
فبين سبحانه استمرار بعضهم في النفاق فقال تعالى: ?وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى? عَذَابٍ عَظِيمٍ? [التوبة: 101].
إن العدوّ لا يفرق بين فلسطيني ويمني أَو لبناني وسوري أَو قطري أَو تونسي فمشروعه يستهدف الأُمَّــة كلها، وقد بدأت المؤامرات في أكثر من بلد، والدور يتنقل من ساحة إلى أُخرى. أما أُولئك الذين يتذرعون بالحياد أَو يكتفون بالصمت، فليعلموا أنهم لن يسلموا من العدوان، وأن الدور سيصل إليهم لا محالة، كما وصل إلى غيرهم.