تعز تحت حكم الفوضى .. حياة المدنيين بين نار الانفلات الأمني وجرائم ميليشيا الإصلاح

البيضاء نت | تقرير

تعيش مدينة تعز اليمنية واحدة من أحلك مراحلها في ظل سيطرة ميليشيا حزب الإصلاح، الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وسط تدهور أمني ومعيشي متسارع حوّل المدينة إلى مساحة من الخوف والفوضى، أهالي المدينة الذين أنهكتهم الحرب والحصار يجدون أنفسهم اليوم ضحايا لسلطةٍ أمر واقع، تفرض نفسها بقوة السلاح، فيما تتقاسم فصائل التحالف النفوذ وتنهب الموارد، وتترك المواطن يواجه الموت في وضح النهار والجوع في الليل.

تشهد أحياء تعز سلسلة من حوادث الاغتيال والسطو المسلح والاختطاف، وسط انتهاكات السلطات الأمنية التابعة للإصلاح، ويؤكد سكان محليون أن عناصر ميليشيا الحزب تفرض سيطرتها على المناطق السكنية، وتمارس انتهاكات جسيمة بحق المواطنين، مستغلة سلطتها المطلقة ، وغياب الرقابة وضعف المؤسسات القضائية والأمنية، ففي الوقت الذي يفترض أن توفّر فيه الأجهزة الأمنية الحماية للمواطنين، تحوّلت إلى أدوات للترهيب والابتزاز، تخضع لتوجيهات الحزب، وأوامر قياداته الميدانية التي لا تعترف بالنظام أو القانون.

 

كما تتكرر الاعتقالات التعسفية ضد معارضين أو منتقدين لسياسات الحزب، يُختطفون من منازلهم أو الشوارع العامة دون مذكرات قضائية، ويُخفون قسراً في سجون سرّية تابعة للميليشيا.

 

ولا يقتصر الانفلات الأمني على الاغتيالات، بل يمتد إلى صراعات داخلية بين الفصائل المسلحة نفسها، تتسبب باشتباكات دامية وسط الأحياء السكنية، تُخلّف ضحايا من المدنيين وتدمّر الممتلكات العامة والخاصة.
إلى جانب ذلك، تنتشر نقاط التفتيش التي تحوّلت إلى مراكز للابتزاز وجباية غير قانونية، حيث تُفرض إتاوات على المركبات والبضائع، وتُصادر ممتلكات التجار تحت ذرائع واهية.
ورغم كل هذه الجرائم والانتهاكات، تمرّ الحوادث دون تحقيق أو محاسبة، ما عزّز ثقافة الإفلات من العقاب، وجعل المدينة تعيش في ظل قانون الغاب.

 

جريمة جديدة تهز المدينة

 

في خضم هذا المشهد الدموي، جاءت جريمة مقتل نجل القاضي عبدالحكيم النجاشي لتكشف حجم الفوضى التي تضرب تعز.
فقد اقتحم مسلحون منزل القاضي، وأطلقوا النار على نجله بوحشية داخل منزله، في مشهدٍ صادم أثار موجة غضب عارمة في أوساط السكان.

الشهود أكدوا أن المسلحين ينتمون إلى تشكيلات مسلحة تابعة لحزب الإصلاح، وأن العملية نُفذت بكل عتجهية وإجرام أمام مرأى ومسمع من الناس، دون الاستجابة لوازع من ضمير.
ولم تُصدر السلطات المحلية أو الأمنية أي بيان رسمي يوضح تفاصيل الجريمة أو نتائج تحقيقاتها، وهو ما عزّز الشكوك حول ضلوع شخصيات نافذة في التغطية على الجناة.

استهداف منزل قاضٍ لم يكن مجرد جريمة قتل، بل رسالة ترهيب تطال كل صوتٍ يطالب بالعدالة أو يعارض سلطة ميليشيا الحزب
وقد حذر ناشطون من أن إفلات القتلة من العقاب سيزيد من جرأة المليشيا المسلحة التابعة للإصلاح على ارتكاب مزيد من الجرائم، في ظل غياب أي مظاهر للدولة.

 

غضب شعبي وصمت رسمي

 

أشعلت الجريمة موجة غضب شعبي واسعة في أوساط المدينة، إذ خرجت دعوات للتظاهر والمطالبة بمحاسبة الجناة وإنهاء حالة الفوضى الأمنية.
في المقابل، التزمت السلطات المحلية التابعة لتحالف العدوان صمتاً مطبقاً، ما فُسّر بأنه تواطؤ مقصود أو عجز كامل عن اتخاذ موقف.

عبّر ناشطون وصحفيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من هذه الجرائم المتكررة، وصمت السلطة المحسوبة على تحالف العدوان ، معتبرين أن السكوت أمام الدماء المسفوكة هو جريمة بحد ذاته.
وكتب أحد الحقوقيين قائلاً: حين يُقتل ابن قاضٍ في منزله ويصمت الجميع، فاعلم أن العدالة ماتت قبل الضحية.

التعتيم الإعلامي الذي مارسته وسائل الإعلام الموالية للإصلاح زاد من الاحتقان الشعبي، حيث تجاهلت الجريمة أو اكتفت بتوصيفها بأنها حادث غامض، في حين تناقلت منصات محلية مستقلة شهادات العائلة والمواطنين التي كشفت تفاصيل صادمة عن اقتحام المنزل وتنفيذ الجريمة بوحشية.

 

أوضاع معيشية متدهورة

 

إلى جانب الانفلات الأمني، يعاني المواطنون في تعز من تدهور حاد في الأوضاع المعيشية.
فالخدمات الأساسية تكاد تكون معدومة، وانقطعت الكهرباء والمياه عن معظم الأحياء، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني نتيجة الفساد المالي والجبايات غير القانونية التي تفرضها الميليشيا على التجار والمواطنين.

ويقول أحد سكان المدينة إن تعز تحولت إلى سجن كبير، تحكمه الميليشيا بقوة السلاح، وسط فقر وجوع وخوف دائم،

تعز، المدينة التي كانت تُلقّب لعقود بعاصمة الثقافة، وشريان اليمن الثقافي، باتت اليوم تواجه اختناقات متعددة الأبعاد، أمنيّة، اقتصادية، اجتماعية، وخدمية ،تجعل من الحياة اليومية فيها معاناة مستمرة لملايين السكان، وتتكرر شكاوى الأهالي من انقطاع مياه الشرب أو ضعف ضغطها، ما يدفع الأسر لشراء المياه بأسعار مرتفعة أو الانتظار لساعات طويلة عند نقاط التوزيع، وغياب الصيانة لشبكات المياه وزيادة الحاجة بسبب النزوح الداخلي يزيدان من الضغط على المصادر المتاحة، وكذلك الانقطاعات المتكررة للكهرباء تجعل المنازل والأعمال التجارية تعمل جزئياً أو تعتمد على مولدات باهظة التكلفة، وهو ما يزيد أعباء الأسر ويعطل المؤسسات الصحية والتعليمية، والمستشفيات والمراكز الصحية تعمل بقدرات محدودة، ونقص الأدوية والكوادر الطبية يُفاقم معاناة المرضى، حالات إسعاف أثناء اشتباكات بينية للمليشيات هناك ، أو اغتيالات تصل متأخرة أو تفتقد للتجهيزات اللازمة، ما يرفع من معدلات الوفيات الناتجة عن إصابات كان من الممكن إنقاذ أصحابها.

 

ومع تفاقم الانفلات الأمني وفرض جبايات غير قانونية على الطرق والأسواق، ارتفعت كلفة النقل والتجارة، مما انعكس فورياً على أسعار الغذاء والسلع الأساسية، وإغلاق المحال وساعات العمل المحدودة وتراجع السياحة والنشاط التجاري أدت إلى فقدان عدد كبير من العمال لمصدر رزقهم، وزيادة نسبة الفقر والهشاشة.

 

حالة الخوف الدائم تُترك آثارها النفسية على الأطفال والنساء والرجال، اضطرابات النوم، تراجع الاندماج الاجتماعي، وانتشار شعور باليأس، وارتفاع معدلات العنف الأسري والجريمة الصغيرة نتيجة الضغوط الاقتصادية والنفسية.

 

تعز .. مدينة تختنق

 

بين الانفلات الأمني والجوع والفوضى، تقف تعز اليوم على حافة الانهيار التام.
ويرى مراقبون أن استمرار سيطرة حزب الإصلاح على المدينة يُعد سبباً رئيسياً في تعقيد المشهد الأمني والإنساني، مؤكدين أن إنقاذ تعز يبدأ بإنهاء هيمنة ميليشيا حزب الإصلاح، وعودة مؤسسات الدولة التي تضمن الأمن والعدالة والمساءلة، وما لم تُتخذ خطوات عاجلة لإعادة الأمن والخدمات إلى المدينة، ووقف عبث ميليشيا الإصلاح بالسلاح والسلطة، فإن تعز ماضية نحو انهيارٍ شامل ستكون كلفته باهظة، ليس على أبنائها وحدهم، بل على اليمن بأسره.

المصدر: موقع يمانيون