الحرب الإعلامية على اليمن.. معركة الوعي التي لا تُرى

البيضاء نت | مقالات

بقلم / عبدالحكيم عامر

منذ اندلاع العدوان على اليمن، لم تقتصر المواجهة على الصواريخ والطائرات، بل اتخذت شكلًا جديدًا لا يقلّ خطورة: حربٌ تستهدف الوعي والعقل والإرادة، إنها الحرب الإعلامية التي تُدار بخبثٍ وذكاء، تُصاغ فيها الأكاذيب كحقائق، وتُقدَّم فيها الهزائم كـ”نصرٍ مزعوم”، وتُحرَّف فيها المفاهيم لتقويض الثقة وضرب المعنويات.

فالعدو الذي عجز عن كسر الجبهات بالسلاح، يحاول اليوم اختراق العقول بالكلمة المسمومة، وبمنصّاتٍ رقمية تموَّل وتدار من الخارج تحت عناوين الحرية والرأي العام، لكنها في الجوهر أدوات تدميرٍ للوعي الوطني وطمسٍ لهوية الشعب المقاوم.

أهداف خفية.. وعدوان ناعم

منذ أن فشل العدوان العسكري في تحقيق أهدافه، تحوّل إلى حربٍ ناعمةٍ ومركّبة تستهدف وعي اليمنيين وتماسكهم الداخلي. هذه الحرب الإعلامية الممنهجة تسعى إلى:

– إشعال الداخل وإرباك البوصلة الوطنية

عبر تضخيم القضايا الخدمية والمعيشية وإبرازها كأزمات مستعصية، بهدف صرف الأنظار عن المعركة الكبرى مع قوى العدوان، وتحويل الوعي الجمعي نحو الشكوى واليأس بدلًا من الثبات والصمود.

– ضرب الجبهة الداخلية عبر بثّ الفتنة والشكوك في المؤسسات الوطنية، من خلال تشويه الأجهزة الأمنية والعسكرية والقيادات الوطنية، وإظهارها في صورة عاجزة أو فاسدة، بغية كسر الرابط النفسي بين الشعب ودولته، وتمزيق الجبهة الداخلية التي تعدّ الركيزة الأساسية للصمود اليمني.

– تفكيك النسيج الاجتماعي، باستغلال التنوّع المذهبي والمناطقي والقبلي لتغذية الشكوك وبث الفتن وإعادة إنتاج صراعاتٍ تجاوزها الشعب اليمني بفعل الوعي والتجربة، وإعادة توجيه النقاش العام إلى قضايا ثانوية.

– اختراق الإعلام الرقمي عبر إدارة جيوش إلكترونية متخفية بأسماء يمنية مزيفة، تتقن فنون التضليل وتعمل على خلق بيئةٍ رقمية متناقضة، تُربك المتابع وتزرع الشك في كل معلومة أو موقف وطني.

اليمن في قلب معركة الوعي

ما يجعل اليمن هدفًا لهذه الحرب الإعلامية الشرسة هو موقفه المبدئي من القضايا الكبرى، وفي مقدمتها نصرة فلسطين وغزة في زمن الخنوع العربي، وقف اليمن بكرامةٍ إلى جانب المستضعفين، فكان لا بدّ من معاقبته بحربٍ إعلاميةٍ تُحاول تشويه صورته وكتم صوته.

ورغم كثافة الهجمات وتعدد الأدوات، أظهر الشعب اليمني وعيًا استثنائيًا وصلابةً فكريةً فاجأت أعداءه، لقد فشلت كلّ محاولات العدوان في كسر إرادته أو تشويه مواقفه، لأنّ الوعي الشعبي أدرك أن هذه الحرب النفسية ليست سوى دليل ضعفٍ ويأسٍ بعد الهزيمة العسكرية والسياسية.

اليمن، الذي اختار الوقوف المبدئي إلى جانب غزة وفلسطين، أصبح هدفًا لحملات تشويه إعلامية ضخمة، لأنّه يمثّل اليوم النموذج العربي الحرّ الذي كسر حاجز الصمت وأعاد للكرامة صوتها. ومن الطبيعي أن تتكالب عليه منصات التضليل، لأنه يذكّر الأمة بما كانت عليه قبل أن تُخدرها العناوين الزائفة.

في هذه المرحلة، لم تعد الكلمة مجرد وسيلةٍ للتعبير، بل أصبحت سلاحًا استراتيجيًا في ميدان المواجهة، ولذلك فإنّ أخطر ما يملكه العدو اليوم هو الكلمة المضلّلة، وأقوى ما يملكه اليمنيون في مواجهتها هو الوعي والكلمة الصادقة.

فاليوم تحوّلت منصّات الإعلام الرقمي إلى ساحة مواجهة يومية بين الوعي المقاوم والتضليل الممنهج، حيث تُصنع الانتصارات أو الهزائم المعنوية، من هنا، تقع على عاتق النخب الإعلامية والناشطين مسؤوليةٌ وطنيةٌ وأخلاقيةٌ كبرى في تثبيت المفاهيم الوطنية والدينية، وتعزيز الثقة بالمؤسسات، وترسيخ الإيمان بعدالة الموقف اليمني.

وهنا يظهر الدور المحوري للإعلام الوطني المقاوم الذي أثبت حضوره في كشف الحقائق وتفنيد الأكاذيب وتثبيت الموقف الوطني على أسسٍ شرعية وأخلاقية وثقافية.

المطلوب اليوم هو كشف الزيف، وبناء منظومة وعيٍ صلبة تُحبط مفعول الأكاذيب وتفضح الأكاذيب وتكشف مصادرها بسرعة قبل أن تتضخم، لأن بناء الوعي المنهجي والإعلام الواعي المنظم، والإعلام الوطني المقاوم هو درع الحصانة المعنوية.

لقد سقط رهان العدوان في ميادين القتال، وها هو اليوم يحاول الانتقام من وعي الشعب اليمني، لكنّ هذه الحرب الإعلامية، مهما اشتدّت، ستتحطّم أمام وعيٍ إيماني صلبٍ صاغته التجارب، وصمودٍ رسّخته المعاناة، فالشعب الذي واجه الطائرات لن تهزمه الشائعات، ولن تنكسر إرادةُ من عرف عدوه جيدًا، فكما انتصر اليمن في جبهات القتال، سينتصر اليوم في معركة الإعلام بالوعي والإيمان.