اليمن: حرب الرواية.. حيث تلتقي جبهة الميدان بمعركة الوعي

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / فهد شاكر أبوراس

 

ثمة معركة أشد ضراوة من المواجهة العسكرية؛ معركة تستهدف القلوب والعقول، يحاول فيها الباطل أن ينسج من الأكاذيب حقائقه، ويصنع من التضليل واقعًا.

ولكن السؤال الذي يجب أن يوقظ ضمير كُـلّ متابع: متى آخر مرة رأيت فيها تقريرًا إخباريًّا يحمل كُـلّ أبعاد المأساة في اليمن؟ مأساة شعب يدافع عن حقه في الوجود والعيش الكريم.

تلك الصورة المشوهة التي تصل إليك ليست سوى ظل لحقيقة عظيمة؛ فالحق في اليمن قائم كالجبل الأشم، واضح في دفاعه عن نفسه، ثابت في مبادئه، لا يحتاج إلى تزوير ليثبت وجوده.

بينما تتهاوى الرواية المضادة تحت وطأة تناقضاتها، وهذا التناقض هو الدليل الأكبر على وهنها وافتقارها للصدق.

 

هندسة التضليل: كيف تُزيف الحقيقة؟

تعمل آلة التضليل بتقنية عالية؛ فهي لا تكتفي بالكذب الساذج، بل تتفنن في “هندسة الوعي” عبر مسارين:

المغالطات المنطقية: حَيثُ تُصادر على المطلوب وتفترض أن دفاع اليمنيين عن أنفسهم هو “تمرد”، ثم تستخدم هذا الافتراض لتبرير العدوان.

وتلجأ إلى “الرِّنْجَة الحمراء” لتحويل وتشتيت انتباه الجمهور عن جذور الأزمة ومعاناة الملايين إلى حوادث جانبية مثيرة عاطفيًّا.

الحرب اللُّغوية والتأطير: انظر كيف يُحوّل “التأطير” العدوان الصريح إلى “عملية دفاعية”، وكيف تتحول القوات المدافعة عن الأرض والعرض إلى “ميليشيات”، بينما تُسمى قوات العدوان ومرتزِقته بـ “الشرعية”.

هذا كله جزء من “اقتصاد الاهتمام” الذي تتحكم فيه هذه الآلة؛ فتُظهر صورة وتُخفي ألفًا، لتخلق واقعًا إعلاميًّا مزيفًا، تمامًا كما روّجت سابقًا لفكرة “الحرب الطائفية” كفقاعة لطمس الأسباب الحقيقية للصراع.

 

التفوُّق الأخلاقي: السلاح الأمضى

أمام هذه الآلة الجبارة التي تستهدف تقويض الروح المعنوية، تتحطم كُـلّ المحاولات على صخرة الموقف الواضح.

وهنا نصل إلى المحطة الأهم: إن أعظم فخِّ يمكن أن نقع فيه هو أن نرد على التضليل بتضليل مماثل.

فبذلك نسقط من علياء المبدأ إلى وحل الأُسلُـوب، ونتخلى عن ميزتنا الأخلاقية العليا.

ما هي الاستراتيجية البديلة إذن؟ إنها استراتيجيةُ “التفوُّق الأخلاقي والمعلوماتي”؛ التفوُّق بالدقة لا بالضجيج، وبالتوثيق لا بالادِّعاء.

سلاحُكم هو هاتفٌ محمولٌ يوثِّقُ الحقيقة، ومقال يفضحُ الآليةَ لا الحدث وحدَه.

يجب أن يكون شعارنا: “نحن لا ننقلُ الصورةَ فحسب، بل ننقل السياق؛ لا ننقل الخبر فقط، بل نكشف الخلفية”.

إذن.. معركة اليمن العظيمة تُحسَم على جبهتين لا انفصام بينهما: جبهة الميدان بصدق العزيمة، وجبهة الوعي بصدق الكلمة.

والتضليل كالغُثاء؛ مهما تكاثف فإنه إلى زوال، يُذيبُه نورُ الحقيقة كما تذيب الشمسُ ضبابَ الصباح.

المستقبل ليس للرواية الأكثر تمويلًا، بل للرواية التي تنجو من محكِّ التحقيق وتنتصرُ بسلاح الصدق النقي.