لكن الرسول والذين آمنوا معه.. درب المولد جهاد ونصر
البيضاء نت | مقالات
يقلم / سعاد الشامي
يقول الله تعالى: “لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ”
هذه الآية هي شعار مناسبة المولد النبوي لهذا العام، وهي ليست مجرد آية تتلى عن زمن مضى، بل لوحة خالدة تحمل ألوان التضحية والإيمان، وتكشف مقياس النصر الحقيقي، لا بما يُرفع من شعارات، بل بما يُقدَّم من ثمن.
كلمة “لكن” هنا ليست حرفًا عابرًا، بل حدًّا فاصلًا بين صفين: صف تثاقل إلى الأرض، وصف حمل الراية رغم وعورة الطريق، وكأنها بوابة تُغلق في وجه المتخاذلين، وتُفتح على مصراعيها للمؤمنين الصادقين.
“الرسول” هو القائد الذي لا يكتفي بأن يأمر، بل يسير في أول الصفوف، يذوق المرارة قبل أتباعه، ويرى في نفسه مسؤولية أن يكون الجسر الذي تعبر عليه الأمة نحو العزة.
“والذين آمنوا معه” هم رجال ونساء آمنوا بأن الدين مواقف وعمل، فكانوا الصفوة التي وحّدت قلوبهم عقيدة واحدة، ورأت في نصرة الحق حياة، وفي الذل موتًا. لم يجعلوا الإيمان كلمات تحفظ، بل عهدًا يوقَّع بالدم والعرق.
“جاهدوا”… الكلمة التي تشعل العروق وتستفز النخوة. الجهاد هنا ليس مقصورًا على القتال بالسيف، بل هو بذل الوسع في كل ميدان؛ في الكلمة، في الموقف، في الميدان، وفي الكفاح ضد الفساد والانحراف. هو أن تعيش الحياة وأنت تحمل همّ الأمة فوق كتفيك، لا أن تكتفي بهموم نفسك.
“بأموالهم وأنفسهم”… المال هنا ليس قطعة من فائض الرزق، بل نبض القلب الذي يُقدَّم قبل أن يُطلَب. والنفس ليست مجرد جسد، بل العمر كله بما فيه من لحظات آمنة تُضحَّى في سبيل قضية أسمى. وكأن الله يخبرنا أن النصر لا يُشترى بالدعاء وحده، بل بالدعاء الممزوج بعرق العمل ودم التضحية.
“وأولئك لهم الخيرات”… الخيرات هنا ليست وعودًا مؤجلة، وليست حصرًا على نعيم الجنة، بل هي أيضًا عزة الدنيا قبل الآخرة، ونصر يرفع الرؤوس، وهيبة تجعل العدو يحسب ألف حساب قبل أن يقترب. الخيرات هي أن تحيا كبيرًا وتموت كريمًا، وأن يظل اسمك بعد رحيلك شاهدًا على أنك كنت في الصف الذي صنع العزة والمجد.
“وأولئك هم المفلحون”… الفلاح ليس كلمة تُقال للفائزين في سباق دنيوي، بل هو النتيجة النهائية لمعادلة الحياة: أن تخرج من الدنيا وقد ربحت رضا الله، وكتبت اسمك في سجل الذين صنعوا فرقًا في واقع الحياة.
اليوم، ونحن نعيش زمنًا تكالبت فيه الأمم على أمتنا كما تتكالب الأكلة على قصعتها، فهذه الآية صفارة إنذار: النصر لن يأتي لمن يكتفون بمتابعة أخبار الأمة وما أصابها من الوهن والفساد والإجرام، فيتأثرون تأثرًا مؤقتًا يزول بمجرد إغلاق تلك المشاهد، بل لمن يضعون أقدامهم على ذات الطريق الجهادي الذي سلكه الرسول ومن معه.
إنها دعوة من المولد إلى الميدان: اختر مكانك؛ إما مع رسول الله _ صل الله عليه وسلم _في صف المؤمنين المجاهدين، أو مع المتخاذلين الذين تركتهم الآية خلف جدار “لكن”. لا ثالث بينهما.