اعتراف ترامب يهز الرواية “الإسرائيلية”: مجاعة غزة حقيقة لا يمكن إنكارها

البيضاء نت | تقرير علي الدوراني 

 

 

في اعتراف لافت وغير مسبوق، يقر الرئيس الأميركي المجرم دونالد ترامب بوجود مجاعة حقيقية تضرب قطاع غزة، محملا “إسرائيل” المسؤولية المباشرة عن الكارثة الإنسانية الفظيعة هناك. وطالب ترامب سلطات الاحتلال بالسماح بدخول “كل أونصة” من الطعام إلى القطاع المحاصر، في موقف يتناقض بشكل فاضح مع تصريحات رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي هاجم الأمم المتحدة مؤخرًا، زاعما أن حديثها عن مجاعة في غزة «كذبة صريحة».

وجاءت تصريحات ترامب خلال مؤتمر صحفي مطوّل، عقده في منتجع الغولف الذي يملكه في تيرنبيري باسكتلندا، بعد اجتماعات جمعته برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي قالت مصادر حكومية بريطانية إنه مارس ضغوطًا مباشرة على ترامب، لحثه على التدخل في الأزمة الإنسانية في غزة.

وأضاف ترامب ردًا على أسئلة الصحفيين: «يمكننا إنقاذ الكثير من الناس، بعض هؤلاء الأطفال يبدون جائعين جدًا. إنها مجاعة حقيقية؛ أراها ولا يمكن تزييفها. لذا سنكون أكثر انخراطًا».

وتأتي تصريحات ترامب بعد أسابيع من تقارير أممية وتقارير منظمات إغاثية حذّرت من أن مئات الفلسطينيين، بينهم أطفال ورضّع، لقوا حتفهم بسبب الجوع والأمراض الناجمة عن الحصار شبه الكامل، الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي على دخول المساعدات إلى القطاع منذ بداية الحرب، كانت الولايات المتحدة وترامب يُكذبون تلك التقارير ويقللون من خطر التجويع في غزة، في دعم مفضوح للجرائم الفظيعة المرتكبة من قبل المجرم نتنياهو وحكومته الفاشية.

وتتناقض هذه التصريحات مع الخطاب الإسرائيلي الرسمي، الذي يسعى لتسويق الأزمة بوصفها «أكذوبة»، واتهام منتقدي سياسات المجرم نتنياهو بـ«معاداة السامية»، وهي ورقة باتت تفقد تأثيرها تدريجيًا مع تزايد الأدلة المصورة، وتقارير وسائل الإعلام العالمية التي تكشف عن حجم الكارثة في غزة.

 

تحول في الموقف أم مسرحية جديدة؟

فيما يرى مراقبون أن اعتراف ترامب وتحميله “إسرائيل” المسؤولية قد يمثّل بداية تحول في الموقف الأميركي، الذي طالما وفر غطاءً دبلوماسيًا للكيان المجرم أمام الانتقادات الدولية. كما قد يفتح الباب أمام مزيد من الضغوط الغربية لفك الحصار وتوفير ممرات إنسانية آمنة لإنقاذ المدنيين، في ظل تصاعد الغضب الشعبي والانتقادات العالمية غير المسبوقة لسياسات الاجرام الصهيونية.

إلا أن المشككين أكثر من المتفائلين، كون الخطوة تظل موضع شك حتى تُتبع بخطوات حقيقية لتخفيف الحصار وضمان دخول الغذاء والدواء بلا قيود. وإلا فستبقى مجرد ورقة سياسية في لعبة أكبر. ولاسيما أن ترامب ذو شخصية متذبذبة ومتناقضة، وكثيرا ما يكذب، ويعرف كيف يوظّف المواقف لمصلحته. ويرى البعض أن اعترافه بالمجاعة هو محاولة لكسب تعاطف الداخل الأميركي، أو أصوات القاعدة الشبابية والليبرالية التي تنتقد دعم واشنطن المطلق لـ”تل أبيب” في ظل صور المجاعة، والأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب الحصار والتجويع المدعوم من البيت الأبيض.

ترامب الذي حمل “إسرائيل” المسؤولية هو ترامب نفسه الذي دعم الكيان بشكل غير مسبوق، وخصوصا في ظل الحرب على غزة. هذا يجعله في نظر كثيرين آخر شخص يمكن أن يُؤخذ اعترافه الحالي بجدية كاملة.

وفي ظل غياب خطة واضحة حتى الآن لخطوات عملية لإدخال المساعدات، وفتح المعابر، والطرقات، والممرات لتسهيل وصولها إلى كامل القطاع، وتمكين المنظمات الدولية للعمل بحرية للوصول إلى المحتاجين للمساعدات.. يخشى المنتقدون أن يبقى التصريح مجرد تصريح للاستهلاك الإعلامي.

 

ضربة جديدة لصورة الكيان على الساحة الدولية:

 رغم ما يحيط بهذا الاقرار من تشكيك، إلا أن هذا الاعتراف العلني من ترامب يمثل ضربة إضافية لصورة “إسرائيل” المتدهورة عالميا. فحين يأتي تأكيد المجاعة وتحميل الاحتلال المسؤولية من رئيس أميركي عُرف بدعمه القوي لهذا الكيان المجرم، فإنه يُضعف الرواية الإسرائيلية التي تنكر الأزمة الإنسانية، وتتهم منتقديها بمعاداة السامية. كما أن هذه التصريحات قد تمنح الحكومات والأطراف الدولية الغطاء السياسي لاتخاذ مواقف أكثر صرامة، في ظل تصاعد الحملات الشعبية والإعلامية التي تتهم الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، وفرض حصار خانق بغرض تجويع المدنيين عمداً كسلاح حرب. ومع ازدياد الضغط من الرأي العام والمنظمات الحقوقية، تبدو “إسرائيل” مهددة بعزلة أعمق، وتراجع قدرتها على تبرير سياساتها الوحشية والإجرامية أمام العالم، ما قد ينعكس على مستوى الدعم الذي طالما حظيت به دون مساءلة حقيقية.

 

حجم المجاعة في غزة، والحل المطلوب:

تؤكد تقارير المنظمات الدولية -وعلى رأسها مراقبون مدعومون من الأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود- أن المجاعة باتت حقيقة ماثلة تتكشف أمام العالم في غزة، مع آلاف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وارتفاع الوفيات يومًا بعد آخر.

أكد مراقب مدعوم من الأمم المتحدة أن «المجاعة تتكشف الآن» في غزة، مشيرًا إلى أن آلاف الأطفال يعانون من سوء التغذية، بينما يتزايد عدد الوفيات المرتبطة بالجوع، خاصة بين الفئات الأضعف سنًا.

وأوضحت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن عمليات الإنزال الجوي لن تكون كافية لوقف الكارثة الإنسانية التي تتمدد في مختلف أنحاء القطاع.

وأضافت المجموعة الأممية: الوصول الفوري وغير المقيّد للمساعدات الإنسانية هو السبيل الوحيد لوقف تصاعد المجاعة والوفيات.
وأظهر التحذير الصادر عن مركز التخطيط الطارئ أن الأدلة المتراكمة تشير إلى انتشار واسع للجوع وسوء التغذية والأمراض، ما يؤدي إلى ارتفاع مستمر في أعداد الوفيات. ووفقًا للبيانات الأخيرة، بلغ استهلاك الغذاء في معظم مناطق غزة مستوىً يلامس حدود المجاعة الكاملة، مع تزايد سوء التغذية الحاد، خاصة في مدينة غزة الأكثر تضررًا.
وفي موقف شديد اللهجة، انتقدت منظمة أطباء بلا حدود بشدة عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، ووصفتها بأنها «عبثية»، و«تنطوي على سخرية قاسية».
ودعا جان جاي فاتو، منسق الطوارئ في المنظمة داخل غزة، السلطات الإسرائيلية إلى فتح المعابر بشكل كامل، مؤكدًا أن المساعدات الغذائية والطبية متوفرة وجاهزة لإيصالها عبر الطرق البرية القريبة من القطاع.

وقال فاتو إن الإنزال الجوي «غير فعال وخطير للغاية»، موضحًا أنه لا يوفر الكميات الكافية، ويمكن أن يتسبب في إصابات، أو حتى وفيات نتيجة سقوط الطرود على مناطق مكتظة.

 وبينما تواصل “إسرائيل” حصارها وتكتفي بعمليات إنزال جوي عبثية لا تكفي لإنقاذ الأرواح، يصر الخبراء على أن الحل الوحيد هو فتح المعابر فورًا، والسماح بدخول المساعدات بلا قيود. فهذه المجاعة ليست أزمة عابرة، هذه كارثة إنسانية تُفضح يومًا بعد آخر، لتثبت أن كل محاولات الاحتلال وداعميه لتزييف الحقائق لم تعد قادرة على حجب مشهد الأطفال الجوعى، الذين ينتظرون إنقاذًا حقيقيًا، لا وعودًا جوفاء، ولا تصريحات متناقضة.