خيانةُ التطبيع.. جولة في خندق الخسارة المظلم

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / شعفل علي عمير
 

يستقبلون خسائرَهم كأوسمة.. المطبِّعون سائرون بخطىً واثقة نحو قمة استباحتهم غير المحدودة، ويعتقدون أنهم يُمثِّلون نموذجًا يُحتذى!

في زمنٍ زادت فيه الضبابية، وفقد فيه الكثيرون البصيرة، تندفعُ بعضُ الدول العربية نحو خيانة التطبيع مع كيان العدوّ الصهيوني الاستباحي، وكأنهن يحجزن مقاعدهن في رحلة بلا عودة إلى عالم الخسائر المهولة.

إن هذا التطبيع يُعتبر فتحًا للأبواب -ليس لطريق السلام كما يُدَّعى- بل لتوقيع وثيقة للخسارة الدينية والأخلاقية والاقتصادية، يُحمَّل عبؤها على أُولئك الذين يرقصون فرحًا على أنغام هذا الخزي.

بينما تواصل مآذن القدس صرخاتها الحزينة، كأنها تعزف نغمة الأنين الأبدية، نجد أن بعض الدول تكاد تعلن بجنون أن احتضانها للكيان الصهيوني يعكس روح التسامح والتعايش.

ولكن، هل توجد فكرة أكثر تضليلًا من هذه؟

إن هذا التسامح الغبي يُجبرنا على التخلي عن حقوق مقدساتنا وتاريخنا، ويجعلنا نشاهد ما يحدُثُ بغير قدرة على الفعل، كالمتفرجين الذين يتألمون في مزاد بيع القضية الفلسطينية.

إن ما يحدث ليس سوى محاولة شرعنة لاحتلال مُستمرّ، حَيثُ أصبحت القدس رمزًا للكرامة العربية والإسلامية، إلا أن بعض من يرفضون الانصياع لقيمها الدينية والعربية يفضّلون السير إلى أوحال الانحطاط الأخلاقي والقيمي.

أما عن الجانب الأخلاقي، فيبدو أن المطبِّعين سائرون بخطى واثقة نحو قمة استباحتهم غير المحدودة، حَيثُ يعتقدون أنهم يُمثِّلون نموذجًا يُحتذى به في قبول الآخر.

لكنهم، للأسف، في الوقت نفسه، قاموا بتحويل الجسور الضرورية التي تربطهم بمحيطهم العربي والإسلامي إلى أنقاض، مصنوعة في ورش تبريرات فلسفية عبثية، لتقوية جسور العلاقات المشبوهة مع كيان محتل سيستبيحهم دولةً دولةً.

إنهم يعيدون صياغة الأخلاق لتلائم مصالحهم؛ مما يؤدي إلى تهديد أُسُس المجتمع العربي، وغرس الفوضى في عقول الأجيال القادمة.

أما اقتصاديًّا، فالمسألة تمثل جوهر الرواية؛ إذ تُقدَّم وعود اقتصادية براقة وكاذبة في الاتّفاقيات الموقعة، مشابهة لعروض التسويق الخادعة.

من يدري، قد تحلم بعض هذه الدول بجني أرباح طائلة من بنك الأحلام الخادعة! لكن هذه الأوهام سَرعانَ ما تنفجِرُ لتتحول إلى فقاعات هواء، لا تسمن ولا تغني من جوع.

الحقيقة أن المنافع المتوقعةَ لا تستحقُّ المجازفات التي يقومون بها، والتضحية الدينية والأخلاقية التي هانت عليهم لقاءَ هذا التطبيع المخزي، والشعوب تبقى الضحية الحقيقية لتلك السياسات التي تتجاهل احتياجاتها الأَسَاسية.

إنه واقع المُطبعين الذين يستقبلون خسائرَهم كأوسمة، متفاخرين بعلاقاتهم الجديدة، غافلين عن أن التاريخ لن يذكرَهم إلا كمن فقد بُوصلته في بحر من الأوهام، ثم انفجر مُدَّعيًا التطلعات للحرية، بينما يتحطم على صخور الواقع القاسي.

فالتطبيع تجاوز كونه مُجَـرّدَ مسألة سياسية، بل هو موقفٌ ديني وأخلاقي يحملُ في طياته أبعادًا عميقةً تتجاوز المصلحةَ اللحظية.

يجب على الدول العربية أن تتريَّثَ قبل اتِّخاذ خطوات غير محسوبة، وأن تبحَثَ عن مسار يُعيد الاعتبارَ للحقوق التاريخية؛مما يُعزِّزُ وَحدة الصف العربي، ويُعيد الأملَ لقلوب الملايين من أبناء الأُمَّــة.