“خرافة” الردع الإسرائيلية تبخرت، والسيطرة ستبقى يمنية
البيضاء نت | تقرير وديع العبسي
لم يكن مستغربا أن يعاود الكيان الإسرائيلي استهداف ميناء الحديدة، في سلوك ليس فيه إلا مواصفات البلطجة والعجز في إحداث تغير استراتيجي في معطيات المعركة، بمفهومها العسكري الملتزم بقواعد الصراع، بعيدا عن قوت الناس. حاول العدو -حفظا لماء الوجه- الادعاء بأن استهداف الميناء مرة أخرى يأتي لـ”تعزيز حصار اليمن عن تهريب الأسلحة”، حسب زعمه، مع قناعته بأن شماعة تهريب الأسلحة باتت اسطوانة مشروخة، خصوصا وأنه يكاد يكون الموضوع الوحيد الذي أتيح لمراكزه البحثية، ومراكز البحث الأمريكية، دراسته بإسهاب ليصلوا إلى نتيجة حاسمة بأن القوات اليمنية تعتمد على ذاتها في تصنيع هذه الأسلحة واستخدامها في ميدان العمليات.
وقد أكدت كبرى المنصات الإعلامية الغربية غير مرة بأن “اليمن لا يمتلك السلاح فحسب، بل ويمتلك القرار السياسي لاستخدامه عند الضرورة” حسب مجلة “إيكونوميست”. فيما كان اللواء “الإسرائيلي” في الاحتياط، “أمير نوي”، وصف القوات اليمنية بأنها “قوة عسكرية وسياسية مستقلة”. وقال إن “الحوثيين” نجحوا في “تطوير صناعة أسلحة محلية واعتماد استراتيجيات هجومية مستقلة، والانتقال إلى صدارة الأولويات الأمنية الإسرائيلية كخطر عسكري مباشر.
ما بات واضحا ومسلّما به هو أن العدو الصهيوني يفتقر لأي تفاصيل استخبارية، يمكن له من دراستها الوصول إلى التأثير على الجبهة اليمنية، لذلك سيبقى عند ذات الأهداف التي تزيد عملية استهدافها من قناعة العالم بأن مؤسسة العدو المسلحة، بما فيها من عصابات وبلاطجة ومجندين ومجتمع غاصب، أصبحوا جميعا في وضعية المقاتل المتشنج والمرتبك الذي يضطر لقذف حمولته على أي شيء. وقد وصف تقرير للشركة البريطانية للاستشارات الاستراتيجية “Azure Strategy” اليمن بـ ’’الثقب الأسود’’ الذي يبقى مجهولاً، بالنسبة لواشنطن، والاستخبارات الغربية.
ستبقى الكلمة في البحر الأحمر لأهله
منذ العام 2015 لم يحقق الاستهداف الأمريكي المتواصل للأعيان المدنية أي نقطة. ويدرك ترامب وباقي الجوقة الأمريكية ذلك، بينما مثّلت عملياته العدوانية الأخيرة على اليمن، والتي تأتي دفاعا عن الكيان الصهيوني، منتهى الإفلاس لكونها تكشف من جهة عن أخلاقيات العدو الهابطة في استهداف البنية التحتية، ومن جهة ثانية عن العبثية في ما تقوم به من عمليات عسكرية. وطوال زمن العمل العدواني الأمريكي كان الاستهداف يتم بطريقة العصابات لقتل المواشي وإحراق المزارع وضرب خزانات المياه ومولدات الكهرباء. وحين يظهر العدو الصهيوني ليقوم بنفس الدور، فإن النتيجة بلا شك لن تكون أكثر من سحق لأي أمل له في استعادة مقومات الردع والهيمنة على المحيط العربي والإسلامي.
من أجل ذلك كان ما يعقُب أي اعتداء على اليمن -كما حدث مؤخرا على ميناء الحديدة- هو تنامي القناعة داخل النخبة الصهيونية بأن هذا الاعتداء إنما هو تحصيل حاصل، ولن يغير من توجه اليمن المدافع عن المستضعفين الفلسطينيين شيئا. بينما كان التجرؤ الصهيوني على تنفيذ الاعتداء يقابله رد يمني سريع، ليعزز ذلك من كون اليمن قد أخذ على عاتقه عمليا مسؤولية تأديب العدو، ودفعه لتكوين قناعة حاسمة بأن هالة قوة الردع المزعومة قد تبخرت في اليمن.
ستبقى الكلمة في البحر الأحمر لأهله، وسيبقى التحرك المحدود والحذر هو الغالب على التحركات الغربية مهما بلغت قوتهم، وسيبقى اليمن هو المهيمن بقوة الله وبقوة الصادقين.. تقول مجلة “إيكونوميست” البريطانية “إن العمليات العسكرية في البحر الأحمر تؤكد أن السيطرة على باب المندب أصبحت بيد اليمن وليس بيد واشنطن”. لم تفلح في تغيير هذه الحقيقة خمس حاملات طائرات كانت تمثل قلاع رعب وردع.
ثم كان من مظاهر هذه السيطرة اليمنية إحكام الحصار على ميناء أم الرشراش، والأحد 20 يوليو أغلقت “هيئة الموانئ والملاحة” التابعة لـ”وزارة مواصلات” الكيان الصهيوني، أبواب الميناء رسمياً “بعد عجز الاحتلال عن رفع حصار صنعاء المفروض على الملاحة الإسرائيلية”. و”أم الرشراش” ليس ميناءً وحسب، ولكنه أيضا موقع عسكري استراتيجي، وقاعدة أساسية للبحرية الصهيونية، ومركز لوجستي حيوي يدخل منه شحن السيارات وقطع الغيار. وقد أدى إغلاقه إلى “توقف كل الشحنات القادمة من اليابان والصين”، وتحوُل العديد من الشركات اليابانية والصينية إلى أسواق أخرى في أفريقيا وغرب آسيا.
وإعمالا للقرار اليمني بحظر الملاحة الصهيونية، تصاعدت العمليات اليمنية إلى مستوى إغراق السفن المتمردة والشركات التابعة لها، والتي حاولت تحدي القرار رغم يقينها بأنه ليس هناك من يوفر لها الحماية، فكان الغرق مصيرها، ما اعتبره مراقبون “نقطة تحول استراتيجية، أظهرت عجز التحالف الغربي عن تأمين ممر ملاحة للكيان، رغم وجود بوارج وسفن حربية أوروبية وأمريكية ضخمة في المنطقة”.
عدو شيطاني بلا أخلاق
العمليات اليمنية ستستمر، وربما تذهب إلى مضاعفة تأثيراتها على العدو، كما أشار إلى ذلك السيد القائد في كلمته الأسبوعية الخميس، فتحدي الكيان وتماديه في الإجرام والوحشية ضد الفلسطينيين أصبح يستدعي فعلا أكثر إيلاما.
يدرك اليمن أنه يواجه عدواً شيطانياً لا يتسم بأي من أخلاقيات المحارب، ولا يعنيه في نُظُم الحروب إلا إشباع نهمه لإيقاع الخسائر بين المواطنين الأبرياء ومنشآتهم المدنية، لذلك يحق الثأر منه. كما يدفعه، شعوره بأن قتال أمريكا و”إسرائيل” للمنطقة العربية وللمسلمين عموما، هي حالة دائمة ومستمرة، الغرض منها فرض هيمنة الصهاينة، وإخضاع الشعوب لإرادتها، وبالتالي استباحة الأرض والمقدرات، ثم التحكم في شكل معيشة هذه الشعوب ومستقبلها. وقراءة مسار التحرك اليمني ضد أمريكا و”إسرائيل” تخلص إلى أن ما يجري اليوم ليس مجرد فعل ورد فعل، وإنما هو تفاعلات لعملية تغيير أكيد، تتراجع فيه الوضعية النمطية التي رسمها اللوبي الصهيوني للمنطقة، بحيث لن تبقى مرتعا للإسرائيليين والأمريكيين.
اليوم -كما تشير إلى ذلك معطيات المواجهة- هناك مشروع تحرري، تمثل معركة (الفتح الموعود والجهاد المقدس) أبرز مظاهره المهمة، كونها ترتبط بقضية الأمة الأولى، وبظلم طال أمده في فلسطين المحتلة، وعي العمليات التي أقنعت الكثير من قادة الغرب بصعود النجم اليمني، وقدرته على إلحاق الضرر -بصورة مباشرة وغير مباشرة- بأمريكا والكيان الإسرائيلي.